المرأة الفرعونية.. كيف كانت؟ وكيف عاشت؟ وما دورها في حضارة ال"سبعة آلاف سنة"؟، هل نادت بالمساواة، لأنه لم يعجبها العيش ملكة متوجة؟ يجيب عن هذه الأسئلة وما شابهها هذا الكتاب: "المرأة الفرعونية" الصادر حديثا عن سلسلة العلوم الاجتماعية التابعة للهيئة العامة للكتاب، للمؤلفة الفرنسية كريستيان ديروش نوبلكور، وترجمة فاطمة عبد الله محمود. في هذا الكتاب تعرض الكاتبة صوراً متتالية لحياة المرأة المصرية في عهد الفراعنة بكل مستوياتها، بدءا بعالم الآلهة والأرباب، مرورا بموقعها في النظام الملكي، وانتهاء بدورها في بيتها كامرأة تحب وتتزوج وتنجب. اللافت في الكتاب هو تلك المقارنة المستمرة في عقل الكاتبة بين حال المرأة المصرية في هذه الفترة من التاريخ وبين حال مثيلاتها الأوروبيات، اللاتي وصفتهن ب"أجدادنا الأوروبيين الذين كانوا قابعين في ظلمات الكهوف"، فتجدها تؤكد علي الامتيازات العادلة التي حصلت عليها المرأة الفرعونية في كل المجالات دون الحاجة إلي قانون أو دستور، ودون نداءات ومطالبات بالمساواة أو نزاع علي الحقوق، لأن الأمر ببساطة كان ضرورة في ظل حضارة يؤمن فيها الجميع بضرورة تقبل الجميع لمصيره ومحاولة تحسينه. في الفصل الأول من فصول الكتاب الثلاثة، تناقش ديروش دور العنصر النسائي داخل النشاط الرباني الذي يبدأ بمعبود لابد أن تكون له زوجة تنجب له ابنا ليكتمل الثالوث المقدس، لذا لم يكن مستغربا أن يقابل كل إله ذكر إلهة أنثي في نظريات الخلق كلها، وهو ما يعكس أن مفهوم المجتمع المصري لدور الأنثي كان ذا صلة بتحقيق التوازن الكوني باعتبارها - المرأة - الرفيق والشريك والكفيل، وامتد الأمر للعلوم، فتجد ربة المكتبات هي"ستشات" التي ترمز لعلم الوثائق والمحفوظات، تلك الشابة الجميلة التي تمسك في يدها بلوحة كتابة وقلم، تشبهها في ذلك الإلهة "ماعت"ابنة "رع" التي ترمز للكيان الفكري والتوازن الكوني والعدالة. يبدو أن مفهوم "الجنس الناعم والجنس الخشن" لم يكن قد ظهر بعد في تلك المرحلة من التاريخ، حيث لم تقتصر بطولة الأساطير علي الرجال مثلما لم تخصص المرأة للأساطير العاطفية فقط، علي العكس ففي أسطورة "هلاك البشرية" تجد البطلة "حتحور" هي معاقبة المخالفين التي تقتل المتمردين في الصحاري، وتجهز علي الضحايا وكأنها وحش كاسر فيغمرها السرور حين تجدهم مضرجين في دمائهم. في الجزء الثاني من الكتاب تعرض ديروش حياة المرأة الفرعونية في القصر الملكي، والتي تم الاعتراف بشرعية اعتلائها العرش منذ الأسرة الثانية، ولم يكن الزواج بين المحارم في البلاط الملكي شيئاً غريباً خاصة بين الإخوة المنحدرين من نسل الفرعون، كزواج أحمس موحد القطرين وأخته، وقد كان زواج الملكة من قريب أكثر بعدا عن الأسرة الملكية سبيلا لإضفاء السلطة والنفوذ الفرعوني علي القرين، وهو ما فعلته ملكات مثل "حتشبسوت" التي تزوجت أخاها غير الشقيق، و"حتب حرس" التي تزوجت سنفرو لتمهد له طريقا للعرش. ليس كزوجة فقط، كأم أيضا أثّرت وسيطرت الأم الملكية علي الحكم وخاصة في حالات وفاة الزوج الملك وتسلمها الوصاية علي الملك الطفل، كالملكة "حتب حرس" زوجة سنفرو وأم خوفو، والملكة "أعج حتب" والدة أحمس، والملكة "تي" والدة أمنحتب الرابع، والملكة "تويا" والدة رمسيس الثاني. قامة رشيقة، قد ممشوق، ساقان طويلتان، بشرة أفتح من بشرة الرجل، وحجم أقل من حجمه، ذلك هو الوصف المثالي للمرأة الفرعونية كما تنقله لنا الكاتبة في الفصل الثالث من الكتاب الذي يحكي عن المرأة في مصر بشكل عام، ومظاهر اهتمامها بجمالها ومظهرها.