دافع كتاب حياة محمد من تأليف إميل درمنهم وهو مستشرق فرنسي عن الإسلام يقدم الاستشراقي نموذجا شبه عادل لرؤية الإسلام بطرح شواهد متعددة علي الرهبنة الفكرية وهو متخصص في الديانة المسيحية ولاهوتها وفلسفتها باعتبارها التي اقتادته إلي دراسة دعائم الإسلام وأصوله ممثلة في سيرة رسول صلي الله عليه وسلم. وحمل غلاة المستشرقين مسئولية إحداث الهوة بين الديانتين وسوء الفهم بين الأمتين النصرانية والإسلامية، لذلك فقد قصد المؤلف من تأليفه هذا الكتاب تنقية السيرة النبوية قدر الإمكان مما علق بها من أغلاط هؤلاء المستشرقين لتكون -علي حد تعبيره- سيرة ناطقة صادقة للنبي ومطابقة لما وصف به في كتب السيرة ولما يجول في نفوس أتباعه لما استطاع إلي ذلك سبيلاً. ويعتبر كتاب درمنهم ممثلاً لمدرسة الاستشراق المعتدل في نظرته إلي الإسلام وإلي رسوله الكريم ومن أكثر كتابها واقعية، ومن أصحها في مناحيه وغاياته الإجمالية، كما يصف درمنهم رسول الله صلي الله عليه وسلم من خلال دراسته لحياته فيقول إنه: إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي علي عبرة، وإذا كان كل موجود يشتمل علي عظة، فما أعظم ما تثيره فينا حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من الناس، ويصف أيضًا سمو روحه صلي الله عليه وسلم وعلو قدره ومبلغ حلمه فيقول: فكان يبدو وضيئًا جليلاً حليمًا، وكان الناظر إليه يشعر بأنه خُلق للقيادة، وبأن إطاعته واجبة ويقول عن مبلغ اعتداله صلي الله عليه وسلم وكرمه وعظمة نفسه كان يبدو معتدلا إلي الغاية، كما يشهد بذلك أمره حين فتح مكة، فقد أبدي في أثناء هذا الفتح من الكرم وعظمة النفس ما لا تجد مثله في التاريخ إلا نادرًا. ويأخذ مقدم الكتاب د.عبدالمحسن رمضان عدة هفوات علي مؤلف الكتاب التي علق المترجم علي بعضها وأغفل التعليق علي بعضها الآخر ومن هذه الهفوات الإشارة إلي تقييم المؤلف لحادثة شق صدر الرسول صلي الله عليه وسلم وهو في الرابعة من عمره وهي الحادثة التي بدأ الحديث عنهابما يفهم منه صعوبة تصديقه لها وذلك بقوله ومما روي - والله أعلم - أن.. ثم يعود فيصفها بأنها قصة نشأت عما ورد في سورة الشرح وأنها أمر باطني قام علي تطهير قلبه صلي الله عليه وسلم وتوسيعه لتلقي الرسالة ثم يعود مرة ثالثة ويجعلها أسطورة ذات مغزي فلسفي لما تشير إليه الدرنة السوداء التي أخرجت من قلبه من الخطيئة الأولي التي لم يعف منها غير مريم وعيسي عليهما السلام. أما الهفوة الثانية فهي إشارة إلي تحايل السيدة خديجة علي أبيها أو عمها ليوافق علي أن تتزوج يتيماً أو فقيراً غامض الأمر من عشيرة دون بني مخزوم قدراً وأباها أو عمها كان ثملاً حين وافق علي زواجها منه من خمر سقته له السيدة خديجة وأصبح لا يعي ما يقول وإذا كان أمر فقر الرسول صلي الله عليه وسلم ويتمه مسلماً به فإنه المؤكد أيضاً أن أمره لم يكن بحال من الأحوال غامضاً بل معلوماً لكل العرب من آمن به ومن لم يؤمن - وأن قومه قريش كانوا أعلي قدراً وشرفاً من جميع القبائل العربية بما فيها بني مخزوم قوم السيدة خديجة كما أنه من المشكوك فيه أن تقدم السيدة خديجة - بما لها من مكانة بين قومها علي مثل هذا التحايل الذي ليس له دليل بعد. ومع ذلك يؤكد مقدم الكتاب أن مثل هذه الهفوات لا يمكن أن تحط من القيمة العلمية للكتاب لاسيما وأنه يتصل بسيرة أشرف الخلق وسيدهم أجمعين وهي سيرة سلك المؤلف في معالجتها طريقاً جديداً لم يسبق إليه أحد إذ لم يعتمد المنهج التقليدي الذي سلكه سابقوه بأن يبدأوا بمقدمة جغرافية بشرية لمنطقة الحجاز مهد الإسلام فمولد الرسول صلي الله عليه وسلم فبعثة في طوريها المكي والمدني حتي ارتقي إلي الرفيق الأعلي أي تقسيمها تقسيماً زمنياً متتابعاً وإنما قسمها علي أساس موضوعي دون أن يلتزم في كثير من الأحيان بالتتابع الزمني بما يتضمن من وصف دقيق بكل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية علي المستوي المحلي داخل شبة الجزيرة العربية أو علي المستوي الإقليمي في بلاد فارس والروم.