فاز الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بجائزة نوبل للسلام لعام 2009 لجهوده في "ترسيخ الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب"، حسب ما أعلنت لجنة نوبل النرويجية. وهو أول رئيس أمريكي في الألفية الثالثة لا يعتبر الأخلاق في خدمة السياسة وإنما يري أن السياسة يجب أن تخدم مثلاً عليا أخلاقية، تتجاوز بها معطيات الفطرة والطبيعة، وأهم هذه المثل جميعا هو "السلام". لكن، كيف؟ بذلت جهود فلسفية عديدة لبلوغ السلام الدائم، ومنها محاولة الفيلسوف الألماني إمانويل كانط عام 1797 ، التي تأثر فيها بكتاب "دوسان روبير" الفرنسي "مشروع السلام الدائم"، والذي تعرف عليه من خلال مؤلفات "جان جالوروكر" كما يقول "أنطون هينين" في التعريف بكتاب كانط. وأوضح "هينين" أن كانط أكد دائماً أن حالة السلام بين الناس ليست من فعل الطبيعة أو الفطرة، وإنما ينبغي أن تصنعها إرادة البشر، أي أنها ترتبط بالفعل الإرادي، بحيث يتوجب علي البشر أن يعينوا سلوكهم بشكل تصبح معه قوانين السلوك لكل فرد بموجب ضرورة القانون، وأن تقوم حرية الفرد إلي جانب حرية الآخر وفقاً لفكرة الحق أو القانون، الذي تخصص فيه أوباما فيما بعد. ويؤكد كانط أن الحرية إذا كانت مبنية علي هذا الأساس تصبح في مأمن، فلا تتهددها الأخطار الناجمة عن اختلاف اللغات أو الأديان أو الأعراق، لأن الالتزام الشخصي الحر، فضلاً عن كونه قيمة أخلاقية في حد ذاته، ينمي حركة التقارب بين الشعوب، ويحفز القوي الفاعلة علي التسابق إلي الأفضل. ويعرف كانط "الحق" في كتابه "فلسفة الحق" بأنه "مجموعة الشروط، التي تستطيع حرية الفرد بواسطتها أن تتوافق مع حرية الآخر، وفق قانون عام للحرية". وهكذا فإن مفهوم السلام يتضمن في طياته علاقة "الأنا والآخر"، أو قل إن العلاقة وثيقة بين ثقافة السلام والاعتراف بالآخر ومكانته. والسلام في التعريف البسيط هو "ضد الحرب" والعنف والدمار، وحالة من التوازن المستقر في العلاقات السياسية. ومن تعريفاته الحديثة : أنه مجموعة علاقات التعايش والتعاون المتحركة بين الأمم، وفي داخل الأمم، لا تتميز بغياب النزاعات المسلحة فقط، وإنما باحترام القيم الإنسانية، التي عبر عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. ولعل تولي باراك أوباما في يناير 2009 رئاسة الولاياتالمتحدة ليصبح أول رئيس من أصل إفريقي يشغل هذا المنصب. هو تجسيد لكل هذه المعاني، وأكثر. وحسب عالم النفس فريد فيليبس: "انها مناسبة تاريخية وحدث مشرق في تاريخ العلاقات بين الأعراق في هذا البلد"، موضحا ان "آمال أجداد أوباما وجهودهم وصلواتهم كوفئت". لكن ما لم يذكره "فيليبس" هو إن الدستور الأمريكي هو الذي اتاح لأوباما، وسيتيح لغيره، أن يصل إلي رئاسة المجتمع الأمريكي، لأنه الدستور الوحيد، فيما أعرف، الذي يرسخ قيم التعايش والمواطنة والسلام، ويطبق هذه القيم بالفعل. ويكفي أنه لا يتضمن أي نص حول اللغة الرسمية للدولة، وتلك لم تكن هفوة بل قرارا قصديا دعي إليه أبو الفيدرالية الأمريكية "توماس جيفرسون"، لأنه لم يرد لذلك الدستور ان يحتوي علي عبارة توحي بالتمييز العرقي أو الإثني. أصبحت اللغة الانجليزية لغة سائدة ووسيلة للتواصل بين شعوب أمريكا بحسبانها أكثر اللغات تقدما وأوسعها شيوعا، علي المستوي العالمي، بين كل اللغات التي كان يتحدث بها المهاجرون مثل: الهولندية والألمانية والإيطالية والإسبانية ولغات أهل الشمال الاسكندناوي. كما أصبحت الانجليزية وسيطا لصهر كل الثقافات الوافدة في بوتقة واحدة، لأن الناطقين بها من أهلها كانوا يعدون أنفسهم كيانا قائما بذاته علي أرض تجمع بينهم وبين غيرهم، لا امتدادا لكيان آخر وراء المحيط الأطلسي مما سهل عملية التمازج، وأفسح الطريق أمام "المواطنة الديموقراطية". ولذلك لم تجابه أمريكا، كغيرها من الدول، سواء كانت عظمي أم صغري، مشكلة الأقليات، خاصة مع زحف العولمة وانتشارها، وإنما علي العكس، فقد أعطت بانتخاب أوباما النموذج والمثل لما ينبغي أن يكون عليه العالم في الألفية الثالثة. فإذا كان تعبير الأقلية، في الأدب السياسي والدستوري، يشير إلي مجموعة غريبة تعيش في حمي وطن أو قوم يرعونها وهي، بالضرورة، منقوصة الحقوق والواجبات، فإن هذا التعبير لا يعني شيئا في بلد بوتقة كأمريكا، يتميز دستوره بالمساواة، نصا وفعلا، بين مواطنيه جميعا.