ثلاثة أيام مضت علي انطلاق فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، الذي بدأ الخميس الماضي ويستمر إلي 17 اكتوبر الجاري في مدينة ابوظبي. المهرجان الذي تقيمه هيئة ابوظبي للثقافة، تحاول الإدارة الجديدة التي يترأسها السينمائي "بيتر سكارليت" - الذي كان لسنوات طويلة رئيسا لواحد من اهم مهرجانات السينما وهو "ترايبيكا"- إعادة هيكلته، بعد الدورتين السابقتين اللتين كانتا تشرف عليهما الاعلامية "نشوة الرويني"، وذلك من خلال عرض عدد كبير من أحدث وأهم الأفلام السينمائية التي يصل عددها إلي ما يقرب من 78 فيلمًا ما بين روائي طويل وقصير، وتسجيلي طويل وقصير، معظمها يعرض للمرة الأولي في العالم، وأخري للمرة الأولي في الشرق الأوسط، إضافة إلي محاولتهم جذب أكبر عدد من نجوم السينما في العالم، وجاءت الممثلة الأمريكية الشهيرة "ديمي مور" في المقدمة، والتي بدت أكثر تألقا وبساطة مقارنة بممثلات أخريات حضرن حفل افتتاح المهرجان، وتلتها الممثلة "هيلاري سوانك" حيث سافرت كل منهما في صباح اليوم الذي تلا الحفل، كما كان الممثل التركي التليفزيوني- الشهير باسم "مهند" واحدا من النجوم حرصت ادارة المهرجان علي استضافتهم، خاصة أن المهرجان يحتفي بالسينما التركية. السينما المصرية، بات لها حضور مميز وقوي في الدورة الثالثة من المهرجان، بدءًا من مشاركة ثلاثة من السينمائيين في لجان التحكيم وهم المخرج "محمد خان" عضوا في تحكيم الأفلام الروائية الطويلة، والمخرج "يسري نصرالله" رئيسا للجنة تحكيم الأفلام الروائية القصيرة، وضمت الممثلة "منة شلبي"، إضافة لمشاركة ثلاثة من أحدث وأهم الأفلام المصرية التي انتجت هذا العام وهي "بالألوان الطبيعية" إخراج "أسامة فوزي" وفيلم "هليوبوليس" إخراج "أحمد عبد الله" ثم فيلم "المسافر" تأليف وإخراج "أحمد ماهر"، الذي اختير ليكون فيلم الافتتاح.. عرض فيلم "المسافر" جاء بمثابة رد اعتبار، خاصة بعد حملة الهجوم التي تعرض لها عقب عرضه في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الشهر الماضي، فلم يأت الهجوم علي الفيلم وهو أولي تجارب مخرجه في الأفلام الروائية الطويلة- في اطار فني وسينمائي بحت، بل اصبح يشبه إلي حد كبير مولد وهيصة، بمعني ان يأتي احد ويقول ان احداث الفيلم مملة ويعيبه التطويل، ومخرجه مشتت، فشل في ايصال فكرته بشكل واضح، ومن ثم يصاب اخرون بفيروس وعدوي الهجوم علي الفيلم سواء ممن شاهده او لم يشاهده-..اضافة إلي اتهامات لوزارة الثقافة باعتبارها الجهة المنتجة بإهدار المال العام، وان الفيلم فاقت تكلفته الميزانية الحقيقية التسعة ملايين جنيه، خاصة ان البعض اعتبر فيلم "المسافر" ما هو الا مغامرة إنتاجية غير محمودة الربح، نظرا لان الفيلم من طراز فني مختلف وعالٍ جدا، ثم اتهام مخرجه "أحمد ماهر" بكونه المخرج المدلل لدي الوزير "فاروق حسني" والناقدين الكبيرين"سمير فريد" و"علي ابو شادي" باعتبارهما من اوائل الذين تحمسوا لان تتولي إنتاجه وزارة الثقافة..ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر إلي التشكيك في ماهية وكيفية مشاركته في المسابقة الرسمية بمهرجان فينيسيا، لدرجة أن البعض ارجع ذلك إلي الصداقة التي تربط مدير المهرجان "ماركو موللر" بمدير التصوير الإيطالي بالفيلم "ماركو انوراتو"، الذي كان من بين الاسباب التي فتحت له بوابة المشاركة في واحد من أكبر وأهم مهرجانات السينما في العالم.. وإن كان فيلم "المسافر" هو إشارة خضراء، لفتح افق جديد للسينمائيين المصريين وتشجيعهم للتواجد في المهرجانات السينمائية الكبري، كما انه الفيلم المصري الذي نجح في رد اعتبار السينما المصرية وعودتها إلي خريطة السينما في العالم، بعد سنوات طويلة منذ آخر مشاركة مصرية للمخرج العالمي "يوسف شاهين". أبطال الفيلم الذين يتقدمهم الفنان العالمي "عمر الشريف" - والذي يظهر في الجزء الثالث من الأحداث، ثم اللبنانية "سيرين عبد النور" و"خالد النبوي" و"عمرو واكد" وينضم اليهم نجوم موهوبون مثل محمد شومان وعلاء مرسي وإن كان الاخير لم يتعد ظهوره الا دقائق- باتوا اشبه بقطع الفسيفساء التي تتناغم ليخرج عمل فني كامل الرقة والجودة، مضافًا إلي موهبة "تامر عزت" المونتير- الذي تعامل مع الفيلم بحس مرهف، إضاءته كاميرا المصور الإيطالي "ماركو انوراتوا" وديكور "أنسي أبوسيف".. فيلم "المسافر" رحلة ذاتية، أجبرنا عليها مخرجه للدخول إلي عالم شديد النعومة والرقة، يجعلنا أمام عمل فني يستحق رفع القبعة له، ليس لكونه أول فيلم تنتجه وزارة الثقافة، بل لانه منسوج سينمائي فني، ظل لسنوات طويلة بعيدا عن أعيننا..