يقضي "الفيس بوك" علي علاقاتنا الاجتماعية،بينما يصيبنا "جوجل" بالحماقة،أما الرسائل النصية القصيرة فإنها تشوه جمال اللغة وتصيبها في مقتل،هذا هو مضمون الرسالة التي يؤكد عليها الكاتب الأمريكي دينيس بارون أستاذ اللغويات والأدب الإنجليزي بجامعة إلينوي في كتابه الجديد "القلم الرصاص أفضل". يري بارون أننا علي أعتاب كارثة حقيقية لم يسبق لنا مواجهتها في خلال سنوات تطورنا الإنساني،لذا فإنه يدعونا ببساطة لأن ندير ظهورنا للتكنولوجيا ونترك لوحة المفاتيح لنعتنق "القلم الرصاص". وعلي الرغم من أن بارون يعترف بأن عملية تطور وسائل الاتصال واجهت الكثير من موجات الخوف والتشكك طوال تاريخ البشرية مثلها مثل أي فكرة أو اختراع جديد علي المجتمع، وأنه هو نفسه لا يعارض التطور إلا أنه يري أن الثورة الرقمية التي يشهدها عصرنا قد فاقت كل الحدود وباتت تشكل تهديدا فعليا علي حياتنا لذا فإنه يريد أن يضعها في سياق محدد. يقوم المؤلف كذلك بعمل رصد تاريخي للهجوم الذي وجهه السلف لكل وسيلة اتصال جديدة بداية من القلم وحتي الآلة الكاتبة فيقول أنه ومع ظهور أي أداة تدوين تنقسم الآراء ما بين مؤيد يري أنها أفضل شيء بعد رغيف الخبز،وبين معارض يخشي أن تضع هذه الأداة نهاية لمفهوم الحضارة كما نعرفها ومابين من ينتظر ليترقب عن كثب أثر الكشف الجديد. فمنذ فجر التاريخ انتقد أفلاطون عملية التدوين بالقلم لأنه رأي أن الكتابة سوف تفقد الإنسان قدرته الرائعة علي تذكر الأشياء،كما انتقد النص المكتوب باعتباره لا يحدث تفاعلا بين المبدع والمتلقي،ووصف الكلمات المكتوبة ب"الظلال الباهتة للأفكار" إلا أن المفارقة الساخرة في ذلك هي أننا نتذكر كل هذا الآن لأن أفلاطون قد دونه. كذلك انتقد الفيلسوف ديفيد ثورو التلغراف لأنه يمنع التواصل الحقيقي وجها لوجه،وبعده أيضا صامويل مورس مخترع التلغراف الذي انتقد اختراع الهاتف الذي يقرب المسافات ويبعدها في الوقت نفسه، هذا غير النقد الذي وجه للآلات الكاتبة فور ظهورها لأنها شديدة الميكانيكية وتفصل الكاتب عن الورق والكلمات،أما الكمبيوتر فيجمع بين أغلب هذه المساوئ ويحدث ثورة تدميرية في كل شيء. ويؤكد بارون أيضا علي وجود مشكلة حقيقية لا يشعر بها الكثيرون ممن يدمنون المحادثات عبر الإنترنت وهي أن مستخدمي الإنترنت ومريديه يتوهون في عالمه ويعيشون حياتهم من خلال الشاشة،فالتواصل الدائم عبر الانترنت يفقد الأصدقاء دفء التواصل الإنساني ويحرمهم من التفاعل الحقيقي، ويقول أن أكبر مثل علي هذا هو هؤلاء الشباب الذين يرسلون دعوات الصداقة لأناس لا يعرفونهم علي موقع الفيس بوك فقط ليزيد عدد الأصدقاء وليتباهي كل منهم بأنه الأكثر شعبية علي أساس العدد،وهو ما يشوه المفهوم الحقيقي للصداقة.