بسهولة شديدة، يستطيع كل من سنحت له الظروف أن يقترب من الوزراء في بلادنا أن يكتشف أن الوزراء ينقسمون في طريقة أداء مهامهم الوزارية إلي نوعين أو فريقين يختلف كل فريق عن الفريق الآخر جملة وتفصيلاً. ووزراء الفريق الأول يفضلون الاعتماد بشكل كامل علي تقارير معاونيهم وكبار قيادات وزاراتهم، وعلي ضوء تلك التقارير - وحدها - يصدرون قراراتهم وتوجيهاتهم حسبما تقول تلك القيادات اللصيقة والملتصقة بهؤلاء الوزراء التي تكتب تقاريرها علي ورق سلوفان.. ويحرصون فيها - كل الحرص ألا تتضمن هذه التقارير أية كلمات أو معلومات قد تثير غضب السيد الوزير أو تعكر مزاجه العالي.. وبعض هذه القيادات القريبة حين يسألها الواحد منا هل يعلم الوزير تلك المعلومة يجيبك فورًا: طبعًا طبعًا سيادة الوزير علي علم كامل بكل حاجة بتحصل في الوزارة.. يقولون هذا رغم إنك إذا استطعت الحصول علي التقارير التي تصل إلي يد السيد الوزير الذي لا يعتمد ولا يثق سوي في أمثال تلك القيادات فسوف تكتشف حجم الجرائم والمصائب التي ترتكبها بعض هذه القيادات في حق الوطن.. وليس فقط في حق الوزير. ولا أريد القول هنا بأن الوزراء من هذا النوع يعشقون لعب دور الرجل آخر من يعلم رغم أن الكثيرين منكم سيحتجون صائحين: بل أنهم كذلك.. وحاشا لله أن يتصور هذا النوع من الوزراء - للحظة - إنني أقصد التشهير بهم أو السخرية منهم فليس مرامي هو هذا.. ولا هذا هدفي ومقصدي.. وفقط أردت بتلك السطور تنبيه هؤلاء الوزراء ألا يعتمدوا علي هذه التقارير السلوفانية كل الاعتماد حتي لا يقع الوزير في مطب يصنعه له أقرب معاونيه بحسن نية.. أو بدونها.. فالخاسر الوحيد في هذه الحالة هم المواطنون.. وسيادة الوزير نفسه الذي - برضاه - سلم رقبته الشريفة لمعاونيه الحريصين دوما علي ألا يتعكر مزاج معالي الوزير أو يتعكر دمه.. وقد يكون لهم في ذلك مآرب أخري الله وحده أعلم بها!. الناس.. يا سادة يا وزراء الفريق الأول هم الدليل الوحيد علي نجاحكم وتميزكم.. أما اعتمادكم فقط علي التقارير الملتبسة والمغلوطة المغلفة بورق سلوفان لونه بمبي.. فلن يفيدكم.. ولست أبدًا أبالغ عندما أؤكد إنها ستضركم! أما وزراء الفريق الآخر فهم من لا يغلقون أبواب مكاتبهم في وجه تقارير معاونيهم ولكن يلجأون إلي اختبار مدي صحة المعلومات الواردة في تقارير دخلاء الوزارة وقياداتها.. حتي يعرفوا الحقيقة كاملة غير منقوصة. وبعض وزراء هذا الفريق يتركون في مرات كثيرة مكاتبهم المكيفة وينزلون بأنفسهم إلي حيث الناس يتفقدون ويسألون ويدققون حتي يعرفوا - ميدانيا - هل هذه التقارير سليمة أم مضروبة كبعض تأشيرات عدد من الوزراء للسادة النواب. واستطيع أن أقول إن الوزير الشاطر والمخلص هو الذي لا يسلم أذنه لمعاونيه ولا يسلم بما يأتي في هذه التقارير ويبصم عليها بالعشرة.. ولا يسلم بما يقوله له معاونوه في تقاريرهم.. ولا يسلم نفسه للمتحدث الإعلامي الرسمي باسم وزارته الذي قد يعمل للوزير البحر طحينة.. فيغرق معاليه في شبر ميه!. وإذا كان وزراء النوع الأول الذين نطلق عليهم إعلاميا الوزير آخر من يعلم موجودين في كل حكومة.. بل وفي الحكومة الحالية.. فإن تاريخ الحكومات المصرية يقول بإن هناك وزراء في الحكومات السابقة وأيضا في الحكومة الحالية يحرصون أشد الحرص علي الافلات من براثن التقارير السلوفانية البراقة التي تخدع وتضلل.. بقصد.. أو حتي بدونه.. والوزير الشاطر والسياسي هو الذي يتواصل مع ا لناس.. ويفتح بنفسه كل صباح صندوق الشكاوي الخاصة بوزارته قبل أن يدخل باب مكتبه.. ويختبر في كل لحظة البيانات والاحصائيات في تقارير معاونيه حتي يكتشف بنفسه إن كانت في طريق الصعود.. أم أنها في طريق الهبوط. أحد الوزراء الحاليين كان قلبه الشاب يستشعر أن البيانات الواردة في التقارير التي تسلمها مكتبه ليس لها أي أساس من الواقع المعاش الذي يحكيه ويتظلم منه المواطن العادي البسيط.. فماذا فعل؟! طلب الوزير من السيدة حرمه أن تنزل بنفسها ووحدها زي بقية الناس إلي مكتب الشهر العقاري بمدينة المهندسين لعمل توكيل رسمي.. التقارير الوردية تقول بإن حصول المواطن علي توكيل رسمي لا يستغرق سوي عشر دقائق.. ولكن حرم السيد الوزير التي لا يعرفها أحد في مكتب الشهر العقاري لم تحصل علي التوكيل إلا بعد دوخة من شباك إلي شباك ورحلة عذاب استمرت ثمانين دقيقة بالتمام والكمال.. أي أن هذا الإجراء الحكومي استغرق ثمانية أمثال الوقت المخصص الذي حدده الموقع الالكتروني لوزارة هذا الوزير كفترة زمنية نموذجية لأي مواطن يريد عمل توكيل رسمي في الشهر العقاري. لقد أراد هذا الوزير أن يكتشف الحقيقة بنفسه.. فكلف السيدة قرينته بالقيام بهذه المهمة.. وحسبما قال لي في اتصال تليفوني: ما كنت أود أن أفعل هذا.. ولكنني أردت الاطمئنان علي صدق حدسي بعد الشكاوي العديدة التي أتلقاها كل يوم سواء شفهيا أو علي موقع الوزارة الالكتروني.. كلفت زوجتي بتلك المهمة بحثًا عن الحقيقة بعيدًا عن التقارير.. كنت أريد أن أفعل هذا بنفسي كما كنت أفعل في العام الأول لتوليتي الوزارة ولكن الناس عرفوني الآن جيدًا من خلال وسائل الإعلام.. أنا حريص علي أن أعرف الحقيقة كما هي بدون تجميل أو تزويق.. ولا أريد أن أكون أنا الوزير كالزوج.. آخر من يعلم!. ليت وزراء الفريق الأول ينجحون في الإفلات من شباك كبار معاونيهم وأحابيل مديري مكاتبهم الذين يطفشون كل من يريد لقاء الوزير ولا يوجد علي لسانهم إلا عبارات أكل عليها الزمن وشرب.. من قبيل: سيادة الوزير في اجتماع.. هانحدد لسيادتك ميعاد ونتصل بك.. اكتب مذكرة وهانعرضها علي السيد الوزير.. سيادة الوزير مش فاضي. ليتهم يدركون أن نجاحهم يتحقق عندما يتواصلون مع المواطنين ويتحسسون معاناتهم ويتلمسون مشاكلهم. ليت هذا الفريق من الوزراء يبتعدون عن التقارير المحلاة بكلمات وعبارات وجمل انشائية ليست لها أي علاقة بالواقع الذي يعيشه بالفعل المواطن في بلدنا. ليت هؤلاء الوزراء يفعلون ذلك.. إنهم إن فعلوا لن يكون كل واحد منهم آخر من يعلم .. سيكون أول من يعلم.. مثل هذا الوزير الشاب الذي كشفت السيدة قرينته الحقيقة كما هي.. لا كما أرادت لها أن تكون حكومتنا الذكية. أتحدث عن الدكتور مهندس أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية الذي كان بامكانه تجميل صورة أداء إحدي الجهات الحكومية ولكنه لم يفعل.. وكان بامكانه تصديق ما يأتي في التقارير.. ولكنه لم يفعل. هل أكون مبالغًا عندما أقول أن الوزير درويش مازال في الخدمة.. لا أظن إنني بالغت.. وعفوًا أقولها لبعض الوزراء الذين يحلو لهم إصدار القرارات والافتاء بالآراء وإطلاق التصريحات طبقًا لما تقرره وتتبناه وتعتمده تقارير ورق السلوفان.. وعفوًا مرة أخري إن قلت أن من تزداد اعتماديته علي معاونيه ويتجاهل كل ما هو موجود ومعاش بما سيكون في قادم الأيام خارج الخدمة.. ولا أظن إنني في هذه النقطة أيضًا قد بالغت!!.