اعتبره الكثيرون الرئيس العربي الأكثر جرأة وواقعية في التعامل مع قضايا المنطقة، وأنه انتشل مصر في أوائل السبعينيات من براثن مراكز القوي ودفع الاقتصاد المصري نحو التنمية.. أنور السادات.. قصة صعود درامية مدهشة لرجل يتمتع بشخصية شديدة الذكاء وصاحب كاريزما قريبة لدي أغلبية الشعب المصري.. عند الكثيرين هو بطل العبور وشهيد السلام.. بعد أن تحمل القرار المصيري بالدخول في حرب مع جيش روج للعالم أنه لا يقهر، لكنه سار علي نهج سلفه الرئيس عبدالناصر (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة). وبالفعل كان له ما يريد بعد أن استطاع السادات بعد سنوات من تنصيبه رئيسًا لمصر أن يحقق لشعبه حلما غاليا وحقق أول انتصار علي الجيش الإسرائيلي في تاريخ الصراع العربي، وليستكمل المسيرة باتفاقية السلام مع إسرائيل في تحرك استراتيجي حقق لمصر كثيرًا من المكاسب السياسية. حياته عرف السادات في بدايات عمله السياسي وطنيا مناضلاً، إذ اعتقل وهو في الثالثة والعشرين من عمره لأول مرة عام 1941 بسبب لقاءاته المتكررة بعزيز باشا المصري الذي طلب منه مساعدته للهروب إلي العراق، بعدها طلبت منه المخابرات العسكرية قطع صلته بالمصري لميوله المحورية غير أنه لم يعبأ بهذا الإنذار فدخل علي إثر ذلك سجن الأجانب في فبراير 1942 . وعلي أمل إخراج الإنجليز من مصر كثف اتصالاته ببعض الضباط الألمان الذين نزلوا مصر خفية فاكتشف الإنجليز هذه الصلة فدخل المعتقل سجينًا للمرة الثانية عام 1943، لكنه استطاع الهرب من المعتقل، ورافقه في رحلة الهروب صديقه حسن عزت. وعمل أثناء فترة الهروب عتالاً علي سيارة نقل تحت اسم مستعار هو الحاج محمد. وفي أواخر عام 1944 انتقل إلي بلدة أبو كبير بالشرقية ليعمل فاعلاً في مشروع ترعة ري. وفي عام 1945 ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية سقطت الأحكام العرفية، وبسقوط الأحكام العرفية عاد إلي بيته بعد ثلاث سنوات من المطاردة والحرمان.. التقي في تلك الفترة بالجمعية السرية التي قررت اغتيال أمين عثمان وزير المالية في حكومة الوفد ورئيس جمعية الصداقة المصرية - البريطانية لتعاطفه الشديد مع الإنجليز. وعلي أثر اغتيال أمين عثمان عاد مرة أخري وأخيرة إلي السجن ليواجه أصعب محن السجن بحبسه انفرادياً، غير أنه هرب المتهم الأول في قضية حسين توفيق ثم افرج عنه لعدم ثبوت التهمة بعد محنة الاعتقال استطاع السادات العودة للجيش بمساعدة زميله القديم د. يوسف رشاد الطبيب الخاص للملك فاروق، ومع تكوين الهيئة التأسيسية للتنظيم السري في الجيش عام 1950 والذي عرف فيما بعد بتنظيم الضباط الأحرار انضم إليها، وفي 21 يوليو أرسل جمال عبد الناصر إليه في مقر وحدته بالعريش يطلب منه الحضور إلي القاهرة للمساهمة في ثورة الجيش علي الملك والإنجليز. وقامت الثورة وأذاع بصوته بيان الثورة، وأسندت إليه مهمة حمل وثيقة التنازل عن العرش إلي الملك فاروق. تولي رئاسة تحرير الجمهورية بعد أن أسسها مجلس قيادة الثورة في 1953، وفي أول تشكيل وزاري لحكومة الثورة منصب في سبتمبر 1954 تولي وزير دولة، وانتخب بمجلس الأمة عن دائرة تلا لمدة ثلاث دورات ورئيساً له من 1960 حتي 1968 وفي عام 1969 اختاره جمال عبد الناصر نائباً له حتي انتخابه رئيساً للجمهورية في 28 سبتمبر 1970. السادات والحرب ظهرت شخصية السادات بوضوح عقب خلافته لجمال عبد الناصر كثالث رئيس للجمهورية في 28 سبتمبر 1970، إذ قام بتغييرات جذرية علي المستويين السياسي والاقتصادي.. فاتخذ قراراً حاسماً وجريئاً بالقضاء علي مراكز القوي داخل الجيش والحكومة في 15 مايو 1971 في وقت قد بدأ فيه مفاوضاته السلمية بشأن استعادة سيناء حيث طرح مبادرة للسلام في الخامس من فبراير 1971 تقضي بانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية - كمرحلة أولي للانسحاب الكامل - واشترط وقتها في حالة عدم تحقيق أي تقدم ملموس أن تحرر مصر أرضها بالقوة، إلا أن إسرائيل رفضت الاستجابة لها. ومن هذه الفترة بدت تحركات ومساعي السادات في الإعداد للحرب وسط تعنت المفاوضات مع إسرائيل ودعم أمريكا الكامل لإسرائيل تحقيقاً لسياسة الرئيس الأسبق كسنجر والتي تفضل مصالح إسرائيل علي مصالح أمريكا نفسها، واستهل الأمر بالاستغناء عن 7 آلاف خبير روسي في أسبوع واحد عام 1972 استقدمهم جمال عبد الناصر بعد هزيمة يونيو دعماً للسلاح الجوي المصري، بعد أن رفضت روسيا دعم مصر بالسلاح تمهيداً للحرب، مفضلاً الاعتماد علي العقول والسواعد المصرية لتلبية متطلبات واحتياجات الجيش في الحرب. في 5 أكتوبر 1973 أصدر السادات توجيهاً استراتيجياً إلي الفريق أول أحمد إسماعيل قائد القوات المسلحة يكلف فيه القوات المسلحة بالحرب في اليوم التالي رغم أن هناك توجيهاً مؤرخا في الأول من أكتوبر يقضي بالحرب ومحددة فيه الأهداف الاستراتيجية وخطة العمليات التي ستنفذ، وهو ما اعتبره الفريق إسماعيل وقتها رغبة من السادات لتكون جميع الأمور محددة بوضوح للتاريخ، وذلك حسب ما رواه اللواء عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات في حرب أكتوبر بمذكراته عن الحرب. خطة الخداع التي رسمها السادات وأتقن توظيفها كانت أكثر تأثيراً إذ كثفت مصر نشاطها السياسي في مستهل عام 1973 للاتصال بالدول الخمس الكبري صاحبة المقاعد الدائمة في مجلس الأمن بشأن انسحاب إسرائيل، وصدرت تعليمات في 9 أكتوبر لصغار الضباط بمواصلة الدراسة بالكليات العسكرية، والسماح للضباط بالحج، وأعلنت وسائل الإعلام في 4 أكتوبر تسريح 20000 جندي احتياطي، ولعل الدليل علي ذلك ما ذكره رئيس قسم المخابرات في وزارة الخارجية الأمريكية راي كلاين في السنوات التالية للحرب: »كانت الصعوبة التي واجهتنا تعود في جانب منها إلي أننا خضعنا لعملية غسيل مخ من جانب الإسرائيليين الذين قاموا بعملية غسيل مخ لأنفسهم. المثير أن تنفيذ مثل هذه الخطة جاء في وقت كانت وسائل الإعلام العالمية تتهكم من السادات وتسخر من تصريحاته عن الحرب خاصة أنه أعلن عن نواياه أكثر من مرة لمهاجمة إسرائيل فأعلن أن عام 1971 هو عام الحسم وواصل تصريحاته وتهديداته العدائية تجاه إسرائيل طوال عام 1972 دون أن يبدأ الهجوم حتي إنه عرف في نظر المخابرات الإسرائيلية بحلول عام 1973 بحالة الذئب الباكي كما أن كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت قال في فيلم تسجيلي تليفزيوني حديث »50 عاما من الصراع العربي الإسرائيلي« تمت دبلجته بمحطة الإم بي سي لكان رأيي في السادات هو أنه يشبه شخصية من أوبرا عايدة ولم آخذه علي محمل الجد وكان يطلق تصريحات رنانة دون أن ينفذها الصراحة تصورته يراوغ). بعدالحرب استهلم السادات نشوة النصر في أكتوبر وأخذ يضع معالم جديدة للوضع الداخلي وقرر تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي بجانب إعادة النظر في الخريطة السياسية الداخلية بدعم التيار الديني في مواجهة تكتلات اليساريين والناصريين وأعطي لهم حرية غير معهودة وأطلق علي نفسه لقب الرئيس المؤمن كنوع من التوازن السياسي ليضمن تحالف الغالبية المسلمة من المصريين مع نظامه بجانب عودة الحياة الحزبية بظهور أول حزب سياسي بعد الثورة برئاسته وهو الحزب الوطني الديمقراطي بعدها ظهر حزبا الوفد الجديد والتجمع. وفي ظل هذه التطورات الداخلية اتخذ الرئيس قراره الذي سبب ضجة بالعالم في 19 نوفمبر 1977 بزيارة القدس لدفع عجلة السلام وسافر بعدها في 1978 إلي الولاياتالمتحدة للتفاوض من أجل استرداد الجزء الباقي من سيناء وتحقيق السلام مع الإسرائيليين لتنتهي الرحلة بتوقيع معاهدة كامب ديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن وبرعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر كان علي أثرها استرداد الجزء الباقي من سيناء وعلي خلفية ذلك حصل السادات علي جائزة نوبل للسلام في وقت كان فيه نجما عالميا لدرجة أن الرئيس كارتر قال له لو رشحت نفسك في أمريكا تكسب الانتخابات حسب رواية سكرتيره الصحفي أنيس منصور. في مقابل ذلك لم تكن ردود الأفعال الداخلية والعربية والإسلامية مرحبة بخطوة الاتفاقية وبدأ الغضب الشعبي يظهر ويتصاعد لزيارته لإسرائيل وتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد بجانب رفعه الدعم عن السلع الأساسية مما أدي إلي انفجار المظاهرات عام 1977 رافضة لنظامه حتي إن الجماعات الإسلامية التي دعم تحركاتها انقلبت عليه واعتبرته لا يحكم بالشريعة وأنه يجب الخروج عليه، وبالفعل بنت الجماعات شبكة وقاعدة عريضة وبدأت فكرة التصدي للعدو القريب وإقامة دولة إسلامية وأولي خطواتها التخلص من الرئيس وقرر في سبتمبر 1981 أن يضع نهاية لحالة التمرد التي بدأت تحاصره من كل جانب باعتقاله أكثر من 1500 شخص بينهم عدد من رموز الصحافة وأساتذة الجامعات ورؤساء الأحزاب ورجال الدين وقيادات نسائية والوزراء السابقون إلي أن انتهي هذا الاحتقان بحادث اغتياله الذي يعد الأول من نوعه في تاريخ رؤساء مصر بعد 31 يومًا من إعلان قرارات الاعتقال في احتفالات حرب أكتوبر علي يد خالد الإسلامبولي من تنظيم الجهاد والذي قامت إيران بتخليد ذكراه بإطلاق اسمه علي أحد شوارع طهران إلي الآن. الغريب أن الجماعة الإسلامية التي دبرت لاغتيال السادات اعتراضا علي معاهدة السلام اعترفت بعد 30 عاماً من الاغتيال وتحديداً في أبريل الماضي بأن الاتفاقية كانت أفضل خيار سياسي مطروح وقتها وأنه لولاها لما استردت مصر الجزء الباقي من أرضها وأن اغتيالهم للسادات كان خطأ كبيراً لأن مشروعه كان الأصلح للمنطقة ليؤكد عمق تفكيره والنظرة السياسية البعيدة التي سبقت كثيراً من عصره.