لا علاقة طبعا بين الشجن والأنفلونزا لكن هذا ما جري لي. ففي الليلة قبل الأخيرة من رمضان وانا جالس علي احد مقاهي وسط البلد اصابني العطس المفاجئ، لم يكن هناك أي شيء ينذر ببرد قادم لذلك لم اهتم، إلا انني بعد لحظات شعرت بحساسية في الانف وادركت أن شيئا ما قد جري، وصلت إلي البيت بعد السهرة وقد ازداد الزكام وبدأت علي الفور استعد لدورة البرد. استعدادات عادية تعودنا عليها عمرنا كله يعرفها الجميع. مشروبات ساخنة وعصير ليمون وبالنسبة لي أزيد فيتامين بي ليزيد من المناعة. لم أشعر بأي مشكله أن أصاب بالبرد ولم يصبني أي هلع من انفلونزا الخنازير، سلمت أمري لله وراقبت درجة الحرارة وأي تطورات اخري ولم يضايقني إلا انني كنت رتبت نفسي لقضاء العيد في الإسكندرية واصبح ذلك امرًا صعبًا، لكن كان لابد من الذهاب لقضاء بعض الواجبات علي رأسها حضور زواج أحد الاقارب الذي لم يكن من السهل الاعتذار عنه. سافرت ولم اخرج من البيت في العيد وبعده إلا مرتين، مرة لحضور هذا الزواج ويدي علي أنفي طول الفرح بمناديل الكلينكس ومصافحة الجميع من بعيد ومرة أخري جلسة عائلية مع أحد الاصدقاء. بقية العيد قضيته اقرأ الصحف أو اكتب شيئا أو أرد علي الرسائل المرسلة في الفيس بوك أو بريدي الالكتروني وجواري الراديو مفتوح علي محطة الاغاني أو البرنامج الموسيقي وانتظر أن ينزاح عني البرد الذي ازداد فقاومته بالمضادات الحيوية وبالقرفة والجنزبيل والمشروبات الساخنة أكثر من أي وقت وفيتامين سي باستمرار ولم يصبني أي هلع. اعتبرت المسألة مجرد وقت طال أو قصر لكني اكتشفت فجأة انني حزين . كيف حقا امضي أسبوعا في الإسكندرية لا أري فيه بحرها في الخريف ولا نسمتها المنعشة ولا السحب البيضاء والرمادية تزحف فوق المدينة تنذر بالشتاء. لم أفكر طبعا في السمان الذي تقريبا انقطعت رحلاته في الخريف. قدر الله وما شاء فعل. قلت لنفسي وعدت وفي روحي شيء من الشجن. لكن الأنفلونزا لم تتركني وأنا أعارض أي محاولة للذهاب إلي مستشفي الحميات وحجتي عدم وجود حرارة ثم انه قد مضي اسبوع علي خير. لكني كنت سمعت من الأغاني القديمة ما ملأ روحي شجنا ."اّهات" أم كلثوم التي كتبها لها بيرم التونسي في الأربعينيات وغنتها بعد انفصالها الاجباري عن محمود الشريف وكيف حين غنتها في أحدي حفلاتها كان كل الشعب المصري يبكي معها علي هذا الفراق و"كل دا كان ليه" لعبد الوهاب واكتر من اغنية لمحمد قنديل علي رأسها طبعا بين شطين وميه وتلات سلامات وياتمر حنة لفايزة أحمد ويالولي ياغالي التي لها في روحي نصيب كبير دائما من الشجن لا أدري لماذا حتي وجدت نفسي جالسا علي الفيس بوك اكتب دون تحضير مسبق "حد يقول لي ازاي البلد دي ماسكة نفسها لحد دلوقت"؟. لم اكن فكرت ابدا في أي شيء سياسي لكنها الأغنيات التي سحبتني إلي زمن جميل كان يمكن للإنسان فيه أن يتوحد مع أغنية هادئة ذات معني ثم إذا نظر حوله وجد الشوارع واسعة نظيفة والناس تمشي في هدوء ولا صوت عكر يملأ الفضاء من ميكروفون. فقط ذلك والله ولا داعي للحديث عن أي شيء آخر. وكأنني حركت ماء راكدا اتتني كثير من التعليقات انقسمت بين الجد والهزل فالذين يعرفونني عن قرب اجابوا بجد حقيقي أن هذه هي السمة الغالبة علي مصر والمصريين ولكن ذلك لا يعني ابدا أن الشعب المصري متواكل أو سلبي لكن الخوف كل الخوف إذا حدث هذا الامر الآن ان يكون نوعا من الفوضي في ظل ضعف الأحزاب والمعارضة والحكومة معا والبعض قال ضاحكا لانها بلد الأمن والأمان فرد عليه آخر إنها بلد الأمن المركزي ولا شيء أكتر والبعض تساءل هل هي ماسكة نفسها فعلا؟ والبعض من الشباب قال لي إنه ينتظر الاجابة مني وغيري من الكتاب فكيف اذن اسأل انا لكن أيضا لم يخل الأمر من الاستظراف فقال البعض ماسكة نفسها يا استاذ بالسيلوتيب الملفوف حواليها أو بالصمغ وبين الجد والهزل اكتشفت أن الموضوع جاد وأنه يشغل الكثيرين وأنهم مندهشون لكن لديهم يقيناً بأن الأمر عارض ورغم سعادتي بالاهتمام لاحظت أنني مازلت حزينا دون سبب واضح وفكرت جازما أنها العزلة التي حكمت علي بها الانفلونزا واستسلامي للطرب دون ان افعل أي شيء آخر وقررت أن ابدأ الخروج إلي الشوارع رغم انني لم اعاف تماما بعد وخرجت فلم اجد شيئا قد تغير في الحياة. قلت اذن هي الرتابة التي ننام ونصبح فيها وخصوصا بعد شهر رمضان ذي الايقاع الواحد جوع وصبر وانتظار بالنهار ثم ضوضاء وضجيج لا معني له في الميديا والشارع بالليل. لكن ذلك لم يحدث لي من قبل بعد أي رمضان فهل ضاقت القدرة علي الاحتمال إلي هذا الحد أم أن في الفضاء فيروساً للشجن أقوي من فيروس الانفلونزا. النقد والمسلسلات... عشرات المسلسلات عرضت في رمضان وعشرات المقالات والتعليقات امتلأت بها الصفحات الفنية محاولة أن تلحق بهذا الكم الكبير والمتنوع من الأعمال وبشكل عام لم يكن النقد في جانب المسلسلات حتي حين تقرأ اعجابا بمسلسل ما لا تلبث أن تقرأ أن ذلك كان في الحلقات الأولي فقط ثم صار المسلسل يعاني من التطويل وهكذا لم يستطع مسلسل أن يتربع علي العرش كما حدث مع مسلسل اسمهان مثلا العام الماضي والحقيقة في رأيي أنه لم تحدث متابعة جادة والسبب طبعا هو هذا الكم. الأمر يحتاج إلي وقت بعد أن يعاد إذاعة هذه المسلسلات بشكل أهدأ والشيء الذي غاب عن الجميع، من النقاد أعني، أن هذا الكم يؤكد قدرة صناع الدراما المصرية علي اكتساح أي منافس وأنه لا خوف علي الدراما المصرية من أي دراما عربية أخري كما كان يحدث في السنوات السابقة وهذا ليس بالقليل. [email protected]