الزواج العرفي بالصحافة الخاصة.. يبحث عن شرعية - 2 في معرض تحليلي أمس للرأي الداعي إلي إعادة بناء العلاقة بين الصحافة الخاصة (مطبوعة ومرئية) مع الدولة.. كُنت قد مضيت في توصيف التغيير الحادث في طبيعة العلاقة بين الحكومة خصوصاً وليس الدولة.. والصحافة القومية.. وقلت إن الصحف القومية لم تعد الآن تخضع لتوجيه كان موجوداً لا شك قبل فترة.. وأن التطور الديمقراطي في المجتمع يؤدي إلي الحفاظ علي قاعدة استقلالية الإدارة مع بقاء طبيعة الملكية كصحف يملكها المجتمع من خلال هيئة دستورية منتخبة هي مجلس الشوري. لقد كان الخبر الحكومي مضمون الوصول إلي الصحيفة القومية في زمن مضي.. لكن هذا لم يعد كذلك.. وبقدر ما رفع هذا عن كاهل الصحف القومية عبء التشابه المقيت بين صفحاتها الأولي.. ومضمونها الداخلي.. فرض علي محرريها تحديات مهنية توجب عليهم ملاحقة الحكومة باعتبارها مصدر أخبار متاحاً للجميع وليس حكراً علي الصحف القومية وحدها.. كما أن السبق الصحفي لم يعد من الممكن التأكد من الانفراد به إلا بناءً علي قدرة الجهد المهني وليس علي أساس علاقة الصحف القومية بالحكومة. وبالموازاة لهذا فإن الإعلانات الحكومية لم تعد بدورها مؤكدة النشر في الصحف القومية.. كما كان الأمر من قبل.. ليس فقط لاعتبارات التغير الديمقراطي الحادث في المناخ العام.. ولكن أيضاً لطبيعة التفكير الذي طرأ علي الحكومة نتيجة تغيير تركيبة أعضائها بعد أن دخل إلي عضويتها عدد لا بأس به من أصحاب خلفيات البيزنس. ولم يكن مفاجئاً أن أغلب الحملات الإعلانية للبرامج الحكومية الكبري لم يعد يذهب معظمها إلي الصحافة القومية.. بل إلي الحملات الإعلانية التليفزيونية التي تستفيد منها وكالات كبري.. اقنعت مجموعة من الوزارات بأن الصحف قومية أو غيرها ليست هي الوسيلة الأفضل لإبلاغ رسالتها.. بل إن عليها أن تركز علي شاشات التليفزيون.. وبمضي الوقت فإن التليفزيون القومي المملوك للدولة لم يعد هو المستفيد الأول من تلك الميزانيات الإعلانية الهائلة.. وإنما صارت تقاسمه فيها محطات خاصة متنوعة.. بعضها معروف عنه أنه منبر ليلي ثابت للتأليب ضد الدولة التي تمثل الحكومة إحدي أدواته. ليس هذا بيت القصيد.. وإنما مسكن القصيد هو أن أصواتاً في الحكومة أدركت أن متغيراً قد حدث في العلاقة مع الصحافة القومية من جانبها.. فراحت تبني جسوراً سرية وعلنية مع صحف خاصة.. بطرق متنوعة.. وفي ذلك أذكر بعض الملاحظات: لم يكن بمقدور الروافد الوزارية الساعية للصحافة الخاصة أن تعلن عن علاقاتها تلك.. في ضوء أن نفس الصحافة الخاصة كانت تقوم بعمليات هدم مستمرة في أركان وعضائد الدولة التي تنتمي لها الحكومة.. وبقيت تلك الصيغ مكتومة وغير سافرة.. لكن لا يمكن لأي زمار أن يخفي ذقنه. اعتبرت هذه الصحف الخاصة أفنية خلفية في كثير من الأحيان لتحقيق تصفيات سياسية وتنافسية معينة.. وأصبحت أدوات في تفاعلات ليست شريفة في أغلب الأحوال.. وهو دور لا يمكن أن تقوم به الصحف القومية ولايمكن أن تقبله بالطبع. من تحصيل الحاصل أن نشير إلي أن هذه المصالح الصحفية كان لها ظهير خلفي في مصالح بين الوزارات المعنية ومصالح أصحاب الصحف والمحطات. بدأت أصوات تعلو من حين إلي آخر تردد في أوساط النخب والسياسيين أن الصحف القومية لم تعد لها مصداقية.. وأن الناس لا تصدقها.. وأصبحت أصوات تتبع الحكومة تتهم صحفيين ومذيعين بأنهم حكوميون.. كما لو أن الحكومة التي ينتمون إليها عيب.. مع إدراكي أن (الصفة الحكومية) الأسطورية تقلل مصداقية الصحف لو كانت صحيحة. أصبح كثير من المتفاعلين السياسيين له علاقة ما بصحيفة خاصة ما.. أسبوعية أو يومية.. وأحياناً يكون لهذا أو ذاك جسور ممتدة مع أكثر من صحيفة ومحطة.. تقل كثيراً عن القنوات المفتوحة بينه وبين أي صحيفة قومية. ابتعد ملف الصحافة القومية عن وزارة الإعلام يوماً تلو آخر. حظيت الصحافة الخاصة بنوع من (التشبيك) المعضد حكومياً.. أي تكوين شبكات وتربيطات.. وبدأت عمليات تكثيف ظهورها يومياً علي مختلف الشاشات.. ورقاً وبشراً. وجدت الصحافة الخاصة في ذلك المرتع فرصة كبيرة جداً لكي تواصل حملتها المستمرة ضد الصحافة القومية.. لإزاحتها من مساحات التنافس في السوق.. باعتبارها (القومية) صاحبة كتلة القراءة الأكبر.. ولكي ترسخ وجودها السوقي اعتمادًا علي المساحات الرمادية في العلاقات.. والمربعات الخفية في تفاصيل التوجهات. استخدمت صحف خاصة من قبل أطراف بعينها من أجل شن هجوم علي صحف قومية بعينها.. لأنها (القومية) جسدت إحساسها بالاستقلال عن تلك الأطراف والتزامها بمنهج الدولة وليس مصالح هذا الطرف أو ذاك. في ضوء هذه التفاعلات بدأ ترديد مقولة إنه لابد من بناء الجسور مع الصحافة الخاصة.. وأن للدولة أن تستفيد من عديد من الأسماء التي صارت معروفة.. وأن هذه الحالة الإثارية التي هي عليها تلك الصحف يمكن أن تتغير.. وأن تلك الأقلام قريبة.. فقط علينا أن نمد الجسور إليها.. أياً ما كان نوع تلك الجسور.. وقد يكون هذا الكلام مفهوماً في حالة ما استهدف مصالح الدولة.. غير أنه يسعي إلي تحقيق ما يلي: 1 إضفاء شرعية رسمية علي طبيعة العلاقات الخفية بين بعض الأطراف الحكومية الداعية إلي ذلك التوجه وبين بعض من تلك الصحف.. بحيث لا تبقي تلك العلاقات عبئاً في سريتها.. أي الانتقال من حالة الزواج العرفي إلي حالة الزواج الموثق. 2 تعضيد وجود نخبة صحفية مستجدة.. بدلا من تلك التي عرفت تاريخياً من خلال الصحافة القومية.. وبحيث يكون أصحاب الدعوة هم أصحاب الفضل علي تلك النخبة وجسورها إلي عالم جديد هي في ابتعاد عنه. 3- التأثير علي مكانة الصحف القومية من الناحية السياسية.. بخلاف تأثيرات سابقة جرت محاولات لأن تحدث علي المستويين المالي والخبري. ونواصل غداً