عاش الشعب المصري عدة أيام يترقب ما يحدث في باريس عاصمة الثقافة العالمية مدينة النور منتظرًا نتيجة انتخاب مدير عام اليونسكو، وإذا كانت بدايات المعركة الانتخابية تبشر بالخير إلا أن النتيجة جاءت صادمة للكثيرين وذلك لعدة أسباب أهمها أن معظم الشعب المصري لا يعرف ما هي اليونسكو منظمة الأممالمتحدة للعلوم والتربية وقد شجع الشعب ترشيح فاروق حسني لا لشيء إلا أنه يبحث عن انتصار عالمي خارج الحدود، وكان لابد للإعلام في مصر أن يوضح للشعب ماذا تعني اليونسكو؟ وما هو حجمها الحقيقي؟ ومن هم الذين تولوا إدارتها؟ وهل تولاها أفريقي أو مسلم أو عربي من قبل؟ وماذا كان الموقف من أحمد أمبو السنغالي عندما أيد فلسطين.. إلخ، وأما السبب الثاني هو تصوير الإعلام بأن نجاح فاروق حسني مضمون لأن الرئيس هو الذي قام بترشيحه ثم قام بعدة اتصالات برؤساء الدول، وهنا تذكر الشعب الدور الذي حدثنا عنه الإعلام عندما فاز بطرس بطرس غالي بمنصب أمين عام الأممالمتحدة وإرجاع الفضل في نجاحه للدور الذي قام به الرئيس، مع الفارق الضخم بين المنصبين فالأول منصب سياسي خالص بينما الثاني ثقافي سياسي، فهو منصب سياسي بحكم أنه منصب عام ولا يوجد منصب عام غير سياسي، إلا أنه أساسًا منصب ثقافي التربية والعلوم، ولذلك كان لابد من التفريق بين المنصبين وكم تدخل الرئيس في المرتين وكيفيته، أما السبب الثالث فهو المعركة الداخلية في مصر بين أكثر من فريق أحدهم يشتاق ويريد نجاح فاروق حسني ويعتبره قد حاول وهو وزير ثقافة أن يوقف الزحف الظلامي علي مصر الليبرالية الديمقراطية التي يجب أن يكون دورها قيادة الثقافة العربية في الشرق الأوسط، وتري أن التيار الظلامي قد حاول تحجيمه في مصر ونجح أكثر من مرة في استفزازه حادثة إحراق الكتب أو في تردده حادثة الحجاب ولذلك كانوا يعتبرون نجاحه انتصارًا علي هذا التيار الظلامي لينطلق ويعبر حقيقة عن الثقافة المصرية الأصيلة دون قيود دون خوف من الأصوليين الذين يعششون في المجتمع المصري وأصبحوا مصدر تهديد لكل فكر تنويري، أما الفريق الثاني الإظلامي فقد كان يريد سقوطه ليشمت فيه بطريقة أو أخري، ومن الغريب أن فريقًا ثالثًا من المثقفين التنويريين انضم إلي الفريق الثاني الإظلامي بحجة أن فاروق حسني لم يضنع شيئًا للثقافة المصرية، وأن في عهده ازداد التطرف، ولم يأخذ أي موقف ضد سجن الصحفيين وطرد د.حامد أبوزيد من مصر.. إلخ، وقد تناسوا جميعًا أنه في المواقف الوطنية يجب أن ينسي كل فريق توجهاته وموقفه الشخصي من فاروق حسني وأن يشجع وبقوة فوزه بالمنصب وأن يحزن حزنًا شديدًا عندما يفقده، ذلك لأن المنصب سوف يكون منصبًا ثقافيا عالميا، يقف علي قمته مثقف مصري، صحيح هذه النتيجة ليست نهاية العالم لكن يجب أن نقف مع أنفسنا وأن نقيم كيف أدرنا هذه المعركة وما هي الإيجابيات والسلبيات التي خرجنا بها بعد هدوء غبار المعركة، وفي تقييمنا للمعركة الانتخابية يجب ألا نضخم من فكرة المؤامرة برغم وجودها لعدة أسباب أولها تبرير عدم تحمل مسئولية الأخطاء التي وقعت في أثناء الحملة وهي مؤكدة، وثانيها أنه من حق الآخرين الذين يبحثون عن الفوز أن يقوموا بعقد تربيطات واتفاقات.. إلخ، وعادة عندما ينجح أحد الطرفين في تربيطاته واتفاقاته يفخر بأنه اجتهد ونجح فيما قام به وكان الفريق المصري سوف يتحدث بكل فخر كيف أنه قام بعمل اتفاقيات واتصالات وضغوط سياسية ثقافية نجحت في النهاية هذا إذا كان قد حصل علي المنصب أما في حالة الفشل فسوف يتهم الفريق الآخر بالمؤامرة، ولو كان فريق فاروق حسني نجح في الحصول علي المنصب لكانت مرشحة بلغاريا تحدثت عن المؤامرة المصرية العربية الأفريقية الإسلامية ضدها، كل هذا لا ينفي أن أمريكا وأوروبا لم يكونا تريدان فاروق حسني رئيسًا لليونسكو، والسؤال الذي يجب أن نترك كل تعليق علي المعركة ونتفرغ له بالدراسة والتحليل هو: لماذا؟!!!!