هل تعرفون ثقافة الملابس؟ وهل للملابس أصلاً ثقافة؟ أم أن علينا أن نعقلها ونتوكل، نرتدي أي شيء، سواء كان مناسبًا أو غير مناسب لنا، ونضع علي أجسامنا أي لون، سواء كان جيدًا أو مضحكًا علينا، ونسارع لاقتباس أي موديل نراه علي غيرنا، أو تفصيلة أعجبتنا في فاترينة أو مجلة.. تذكرت حكايات الملابس معنا، ومعي أنا شخصيًا وأنا أري برنامجا، جديدا علي، إنجليزيا ومترجما وتعرضه إحدي الفضائيات العربية التي تشتهر بتقديم البرامج الأجنبية إلي المشاهد العربي واستعراض الملابس The clothes show هو اسمه، منه عرفت أصل برنامج آخر علي فضائية عربية أخري، لكن البرنامج، بهذا الشكل، لم يتعرض للاقتباس حتي الآن مهما أخذوا بعضا منه، لأنه لا يمكن اقتباس ثقافة مجتمع مختلف ومتجدد وعملي كالمجتمع الإنجليزي مثلاً، ففي ثقافة الملابس علاقة وثيقة بثقافة الحياة ومفرداتها. كما أن الثقافة المؤثرة تلعب دورًا مهما في أساليب الحياة وأنماطها، وفي مد الجسور بين الأفكار وتطبيقها علي الإنسان، وكذلك تراها واضحة في العلاقات الاجتماعية، وهذا ما تدركه من الحلقة المذكورة علي قناة MBC4 والتي قدمها ثلاثة، سيدتان ورجل، كل منهم أمتعنا بتحقيق مكتمل عن الأزياء والجديد فيها في الشتاء المقبل أو الذي يدق الأبواب، ولم يحدث هذا بدون جهد، أتصوره غير عادي، منها استعراض ما قدمه مصممو الأزياء الكبار في عروضهم الجديدة ومجموعاتهم التي ركزت علي كل ما يرتديه الناس في خروجهم إلي الشارع، من الحذاء إلي القبعة، وحيث بدا لنا أن هناك أمورا لافتة في شتاء هذا العام فيها تركيز علي أشياء محددة اتفق عليها هؤلاء المصممون، وهكذا انتقل بنا البرنامج للفقرة التالية ليطرح علي النساء من المشاهدات فكرة عودة الفستان الصوف الثقيل كحل ملائم لشتاء صعب، وأن الكثيرات من النساء لديهن فستان مثله بطل استعماله وحان وقت البحث عنه وارتدائه من جديد باعتباره موضة، وأنه سواء كان موجودًا بالفعل أو جديدا فإن الجديد بالفعل هو استخدامه مع مجموعة أخري من القطع التي تفتح الباب لكل امرأة لكي تبدو بمظهر حديث بفضل استخدام أشيائها القديمة بصورة جديدة حين تبحث في الدولاب عما يلائم الفستان المذكور، بنطلون جينز مثلا أو بالطو جلد أو سترة قصيرة أو عقد بلاستيك.. إنه فن الابتكار والتركيب وإعادة تشكيل الصورة من نفس المواد. وفي الفقرة التالية، أخذنا البرنامج في جولة من أجل القبعات، هي ثقافية بالتأكيد حين يعود بك إلي بداية استخدام الإنسان للغطاء الذي يضعه علي رأسه طلبا للدفء أو التميز أو حتي الغموض، وكيف كانت تصنع قبعات الأمراء والملوك زمان ثم أصبحت القبعة قطعة شعبية للجميع، وأصبح لها متخصصون كبار، حتي أن القبعات الرياضية حققت الشهرة العريضة لمصمميها هل تعرف هنا اسما واحدًا لمصمم أو مصممة قبعة رياضية أو أثرية؟ لقد تحدث اثنان من كبار مصممي القبعات، زوجان تقابلا في الجامعة وبعد موقف طريف في بداية الطريق اتجها لتصميم هذه الأشياء التي قفزت بهما ليحققا شهرة عريضة وثروة مديدة، وفي استعراض البرنامج لمجموعتهما الجديدة بدت التصميمات جميلة بالفعل ومتنوعة ما بين القبعات التي تحمي من البرد الثقيل لأخري تكتفي بإحداث نوع من الدفء لمن ترتديها لثالثة لغرض آخر.. إلخ.. كان العرض جميلاً راقيا والحديث ثريا ينتقل بين التاريخ والفن والمناخ وحتي مجالات الاستخدام ولتأتي بعده فقرة المقام، وهي أيضًا مميزة تشبه نوعا من العلاج الجماعي لمشكلة إنسان مع جسمه، وبطلتها امرأة طويلة، عريضة المنكبين، تشكو من قوام يجعلها تشبه العسكري أو الغفير في كل ما تلبسه، وهنا يخطو البرنامج خطوة أبعد حين يشرح لنا من خلال خبيرتين، واسكتشات مرسومة للتكوين البشري، مميزاته وعيوبه، وأن لكل قوام أسلوبا في التعامل معه لابد من فهمه علي طريقة اعرف نفسك أولاً فالعيب هنا ليس في الخلقة التي خلقنا الله بها ولكن في عدم اهتمامنا بمعرفة كيفية التعامل معها، وهو ما نراه عمليا حين ترتدي المرأة الحالة ملابس تؤكد علي ميزاتها وتجعلها أكثر ارتياحا وقبولا، فتكتشف أن لها خصرا مثل غيرها وكانت المسألة بالنسبة إليها مفقودة! وتدرك أن اختيار موديلات أخري وقصات مختلفة يجعل كتفيها أقرب للطبيعة وليسا كأهرامات الجيزة، وهكذا حتي تكتشف هي، ونحن معها، أن هناك قدرات ممكن استخدامها لتحسين أنفسنا، حتي بالنسبة لنا وحدنا وليس للآخرين فقط، فالإمكانيات هنا ليست المشكلة وإنما القدرة علي الفهم، والتذوق وممارسة الحياة بأسلوب أفضل مع البحث عما نمتلكه ولا ندرك قيمته.. وربما كانت هذه الفكرة تحديدًا هي الأبرز في حياتنا التي تسودها ثقافة السرعة والرفض للقديم، سواء الأفكار أو المقتنيات.. إن جمال فكرة البرنامج أنه يطرح فكرة فردية وجماعية، فثقافة الملابس أمر يخص كلا منا بمفرده، ولكنه أيضًا يخصنا جميعا، والنظرة لما يرتديه الناس في شوارعنا تؤكد غياب هذه الثقافة، فالتنافر بين الأشكال والأوزان والألوان هو السائد، ولابد حين ينوي أحد منا تغيير نفسه أن يجد المساعدة، ولهذا تمنيت أن يكون لدينا برنامج علي شاشة التليفزيون المصري، عن الذوق في الاختيار، وعن جمال الحياة في التناسق وفي البحث عما نمتلكه ولا نراه بشرط ألا يصبح هذا البرنامج فقرة ضمن برامج المرأة.. ففي هذا نهايته!