فقدت مصر اليوم ابنها المخلص أحمد عرابي الذي قاد ثورة شعبية وحدت بين الجيش والشعب كان الرجل ملء الأسماع والأبصار وأضفي المصريون عليه هالات من التمجيد حتي أنه تحول إلي ما يشبه الولي الصالح والأسطورة الخارقة ثم انكسرت الثورة واحتل الإنجليز مصر وقبض علي عرابي ورفاقة وحوكموا وتعرضوا للكثير من الأذي والاضطهاد. ما هي إلا سنوات قلائل حتي تبخر الأثر وتعرض عرابي لهجوم شرس لم يقتصر علي أعدائه التقليديين فالحملة الأعنف قادها الزعيم الشاب مصطفي كامل وأعضاء الحزب الوطني أولئك الذين لم يتركوا نقيصة إلا وألصقوها بالمصري الفلاح الذي اجتهد فأصاب وأخطأ لكنه تحول عند خصومه إلي كتلة من الآثام والخطايا التي لا تغتفر! المثير للدهشة والاستياء أن شاعرا كبيرا مثل أحمد شوقي قد جعل من قصائده أداة للسخرية والتهكم والهجاء المقذع: "صغار في الذهاب وفي الإياب أهذا كل شأنك يا عرابي"؟!. ولم يتطرق أمير الشعراء في بيت واحد من قصائده إلي الخديو توفيق الذي استعاد عرشه بمساعدة جيش الاحتلال وتحت حماية الغزاة المستعمرين! مصطفي كامل بدوره تحالف مع ابن الخديو فلم يتحدث مرة بالسلب عن الخديو توفيق وتفريطة، وفي ظل هذا المناخ الكئيب عاد عرابي من منفاه ليعيش سنواته الأخيرة منبوذا مهجورا متهما ومدانا بجلب الاحتلال الإنجليزي. كان الزعيم المظلوم في حاجة إلي سنوات طوال ليظهر من يرد إليه الاعتبار ويطالب بإنصافه لكن المأساة الحقيقية تتمثل في التطرف المضاد ونعني به ذلك الاتجاه الذي يرتفع بعرابي إلي مصاف الأبرار القديسين وكأنه لم يخطئ ويقصر في إدارة معاركة السياسية والعسكرية! العاديون من الناس وهم الأغلبية الساحقة لا يعرفون شيئاً يذكر عن الزعيم الفلاح اللهم إلا تلك السطور القليلة الهزيلة التي يدرسونها في بعض سنوات التعليم ولعلنا في حاجة إلي مسلسل تليفزيوني يدفع إلي الاهتمام.. فمتي يظهر هذا المسلسل؟!