المتهم الثاني: شركة طرة للأسمنت قديما أقسم المصريون القدماء ألا يلوثوا نهر النيل ووصفوه بإله الرزق وواهب الحياة وشريانها المتدفق داخل العروق من الجنوب إلي الشمال.. كما حظي بأهمية بالغة صورتها جدران المعابد برسوم أغرب من الخيال.. عروسة غاية في الجمال تلقي كقربان حتي يسير النهر في أمان. هيرودوت الذي انبهر بالنهر قال إن النيل أعطي مصر الكثير وعلمها الكثير ووصفها بمقولته الشهير مصر هبة النيل. وبعد مرور آلاف السنين جاء الأحفاد ولم يحافظوا علي قسم الأجداد ولوثوا طهارة النهر واعتدوا علي قدسيته وألقوا به ملايين الأطنان من الملوثات بعدما وقع النيل فريسة في أيدي أباطرة التعديات وضحية تضارب الاختصاصات بين الجهات الحكومية. وزارة البيئة أعدت قائمة سوداء ب15 مصنعاً ترفع راية العصيان في مواجهة القانون وتلقي بمخلفاتها الصناعية في مياه النيل سنوالي نشرها تباعاً. شركة طرة للأسمنت المتهم الثاني في الملف الأسود لمصانع تلويث النيل أخفت جريمتها التي ترتكبها ليل نهار في حق المواطن بوضع مواسير صرف المخلفات الصناعية الصلبة أسفل كتل خرسانية يعلوها الهيش للهروب من المسئولية القانونية. روزاليوسف رصدت بالكاميرا الإجراءات التي اتخذتها طرة للأسمنت لتضليل التفتيش البيئي ففي الساعة الثانية ظهر يوم شديد الحرارة انتقلنا إلي موقع الشركة باستخدام قارب أحد الصيادين للكشف عن جريمة اختلاط السموم بالمياه التي تستخدمها في الشرب وري المحاصيل الزراعية. إذ اكتشف مياه النيل باللون القاتم الناتج عن مخلفات المصنع دون أن يحرك ذلك ساكنا لمسئولي وزارة البيئة. خطورة مزدوجة مصنع طرة الأسمنت خطورته مزدوجة فالصرف الصناعي يلوث النيل من جهته والتلوث الهوائي يدمر صحة المواطنين في منطقة حلوان فوفقًا لدراسة حديثة بوزارة البيئة فإن نسبة النيروجين تجاوزت الحدود القصوي المعمول بها في القانون. فيما رصدت تقارير وزارة البيئة أن مصانع الأسمنت مسئولة عن تلوث 60٪ من المناطق المحيطة و30٪ بالقاهرة الكبري رغم تحرير مخالفات لتلك المصانع تصل إلي 707 مخالفات بحلوان وحدها. وأكدت التقارير أن الأكسجين الذائب في جميع المحافظات المطلة علي النيل مازال أعلي من الحد المسموح به وفي مقدمتها محافظات القاهرة الكبري وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وأسوان ودمياط فيما جاء تركيز العناصر الثقيلة - الحديد، المنجنيز، الرصاص والكروم أقل من الحد المسموح به. مفاجأة وفي مفاجأة من العيار الثقيل كشف د. محمود عمرو رئيس المركزي القومي للسموم الاكلينيكية والبيئية عن إصابة نصف مليون شخص بالتسمم بسبب الصرف الصناعي علي النيل مؤكداً أن الخسائر التي تتكبدها الدولة لا تقل عن 5 مليارات جنيه يتم انفاقها علي العلاج. بالإضافة إلي الخسائر الأخري والتي يأتي في مقدمتها فقدان خصوبة التربة الزراعية نظراً لتلوث سطح التربة القربية من المياه مما يؤثر علي جودتها. رئيس المركز القومي للسموم انتقد تقرير حالة البيئة الذي قال إن المنشآت الصناعية علي النيل 102 منشأة فقط مؤكداً أنها تصل إلي 10 آلاف منشأة تلقي بملوثاتها في النهر. وفشلت البيئة في توفيق أوضاعها باعتبارها وزارة تنسيقية وليست سيادية. فشل البيئة وأكد أن البيئة لم تحقق أهدافها خلال الفترة الماضية مشيراً إلي أن البند الأول من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 ونحن الآن في 2009 أي أن البيئة أضاعت 6 سنوات ولم تنته من توفيق أوضاع المصانع. وطالب عمرو بإصدار قرار جمهوري بإنشاء شركات لتوفيق أوضاع المصانع وتكون قراراتها ملزمة بفرض العقوبات فأصحاب المصانع لا يريدون تحمل أعباء إضافية بالدخول في تلك المنظومة التي تتكلف الملايين. وأكد أن المواد الكيماوية تؤثر علي الجهاز الكبدي والهضمي والعصبي لاحتواء المخلفات الصناعية علي ميكروبات وطفيليات ومنظفات ومطهرات صناعية وكيماويات تختلط بمياه النيل فتؤثر سلبًا علي الصحة العامة. مواد كيماوية أما د. محمد الزرقا الخبير الدولي في مجال البيئة فأكد أن 90٪ من الصرف الصناعي مواد كيماوية تستمر سنوات طويلة بالمياه وتؤثر علي الصحة العامة والثروة السمكية إذ يتعرض الإنسان لمشاكل صحية بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تناول الأسماك أو الخضراوات التي تروي بمياه النيل. وحمل الزرقا وزير الدولة لشئون البيئة مسئولية اتخاذ قرار لوقف المصانع الملوثة استنادًا إلي القانون الذي قال في إحدي فقراته إنه يحق لرئيس جهاز البيئة اتخاذ قرار بغلق المصنع في حال استمرار صاحبه في التلوث. قانون البيئة ومن جانبه قال اللواء عاطف يعقوب مستشار وزير الشئون التفتيش إن قانون البيئة الجديد يضعف العقوبات علي مصانع تلويث النيل إذ تصل الغرامة إلي 20 ألف جنيه تتضاعف إلي 40 ألف جنيه ومضاعفاتها. وأكد أن القانون الجديد لن يرحم المخالفين وستتم إحالتهم للنيابة العامة وغلق المصنع في حال استمرار المخالفة. وأوضح أن التعديل الجديد في قانون البيئة يتيح إحالة أصحاب مصانع تلويث النيل إلي الجنايات إذا ثبت تضرر المواطنين وتصل العقوبة إلي المؤبد. بينما أكد اللواء أحمد حجازي مساعد الوزير لتوعية البيئة أن الوزارة أعدت برنامجًا لتوفيق أوضاع المصانع بتقديم المنح والقروض للشركات مشيرًا إلي تقديم 20٪ منحة لا ترد للشركات الكبري و50٪ للشركات المتوسطة والصغري التي ترغب في توفيق أوضاعها من خلال برنامج التحكم في التلوث الصناعي الممول من البنك الدولي بقيمة مليار دولار يستهدف 200 شركة.