يهود المسلسلات والدراما والفن شيء، ويهود الواقع شيء آخر تماماً!! وخمسة من مسلسلات هذا العام فيها يهود وكلام عن اليهود طوال سنوات القرن العشرين! المسلسلات هي: إسماعيل يس أبو ضحكة جنان الذي يروي السيرة الذاتية والفنية لنجم الكوميديا إسماعيل يس حيث رأينا اليهودي صاحب محل المجوهرات الذي عمل عنده الطفل إسماعيل يس وهناك مسلسل أدهم الشرقاوي البطل الشعبي الشهير حيث يوجد اليهودي المرابي، أما مسلسل قلبي دليلي فهو يحكي السيرة الذاتية الإنسانية والفنية للمطربة اليهودية ليلي مراد وكان من الطبيعي أن يتعرض لكبار الأسماء اليهودية في ذلك الوقت زكي مراد وداود حسني.. الخ . اليهود في هذه المسلسلات هم يهود النصف الأول من القرن العشرين، حيث عاش اليهود عصراً ذهبياً من الحرية والتسامح وكانت لهم مكانة مهمة في المجتمع ولم تتغير النظرة لهم كمواطنين مصريين إلا بعد حرب فلسطين 1948 ثم العدوان الثلاثي عام 1956 . أما مسلسل حرب الجواسيس فتدور أحداثه بعد حرب 1967 ومحاولات الموساد اختراق المجتمع المصري بتجنيد جواسيس له، والنص الأدبي المبهر للعبقري الراحل الأستاذ صالح مرسي أما مسلسل متخافوش فهو يدور في إطار عصري تماماً وهو يبدو أقرب إلي الخطابة ولغة البيانات السياسية منه إلي العمل الدرامي والفني.. ماعلينا!! اليهود وخاصة اليهود الذين عاشوا في مصر - شيء، والصهيونية والصهاينة شيء آخر تماماً!! لقد حاول الصهاينة اختراق المجتمع المصري واستمالة اليهود إلي جانبهم لكنهم فشلوا في ذلك الأمر، وكانت الوكالة اليهودية هي صاحبة هذه المحاولات والتي كان أخطرها اختراق الصحافة المصرية بكافة السبل والإغراءات سواء المعنوية والمادية؟ ورغم كثرة الدراسات والمؤلفات السياسية والتاريخية التي ناقشت ودرست أوضاع وحالات اليهود في مصر لكن لا توجد هناك دراسة واحدة عن الدور الخفي والمثير الذي لعبته الوكالة اليهودية سواء في مصر أو باقي البلاد العربية!! وفي ذكريات شيخ الصحفيين الأستاذ الكبير حافظ محمود وعنوانها المعارك: في الصحافة والسياسة والفكر بين 1919 و 1952 والذي صدر عام 1969 في سلسلة كتاب الجمهورية، وصدرت طبعة جديدة له منذ أسابيع عن هيئة قصور الثقافة، في هذه الذكريات وتحث عنوان دور الوكالة اليهودية كتب حافظ محمود يقول: الذي لم يكن يعلمه الكثيرون أن الوكالة اليهودية العالمية كانت لها مكاتب فرعية في العواصم العربية الكبري كالقاهرة وبغداد إلي ما قبل دخول الدول العربية معركة فلسطين في سنة 1948 ، كانت هذه المكاتب تحمل في ظاهرها الطابع الصحفي، أما باطنها فكان يتسع للكثير، وكان في مقدمة هذا الكثير تقديم المعلومات المزيفة عن طريق نساء يوهمن الساسة العرب إنهن يعملن لحسابهم!! أما أخطر مهمة لهذه المكاتب فقد كانت مراقبة التحركات العربية وعرقلة ما يكون فيها من يقظة مضادة للتحركات الصهيونية التي سبقت قيام إسرائيل!! ثم يروي حافظ محمود هذه الواقعة البالغة الدلالة والخطورة فيقول: اذكر أنني كتبت في هذه الأثناء مقالاً يوضح هذه التحركات الصهيونية في جريدة السياسة الأسبوعية التي كنت أتولي إن ذاك رئاسة تحريرها، وعلي أثر ظهور هذا المقال، زارني متعهد إعلانات يهودي وبعبارة لطيفة جداً رجاني أن اكتب مقالاً في نفس الموضوع لكن بعبارة لا تجرح اليهود!! قلت له: وما شأنك أنت؟! فأجاب بنعومة: إن عدداً من عملائه يقرأون هذه الجريدة أو يفيدون منها والأسلوب الذي كتبت به المقال يعرض الجريدة للخطر! وضحكت ساخراً من هذه الإمعة وأنا اصرفه من مكتبي، وقبل مضي أربع وعشرين ساعة كانت أمامي شكوي من الإداريين في الجريدة بأنهم عجزوا عن الحصول علي الورق، ثم عجزوا عن الحصول علي الحبر، فقد كانت كل هذه السلع في أيدي اليهود!! وعالجنا هذه المشكلة لكننا فوجئنا باختفاء قطعة صغيرة من أجزاء آلة الطبع، وبالبحث اكتشفنا أن للوكالة اليهودية دخلاً في هذا كله!! وأبلغت السلطات المصرية بما علمت وكان هذا التبليغ بداية فتح العيون علي ما تفعله هذه الوكالة، وفجأة اختفي جواسيس الوكالة اليهودية لكنهم دخلوا في جيوب عملاء الاستعلامات الذين كانت تستخدمهم السفارة البريطانية في مصر، وكادوا يقومون بدور اخطر من الأدوار السابقة، لولا أن مجلة روزاليوسف استطاعت أن تكشف هذا السر في تحقيق صحفي من التحقيقات الصحفية التي طورت دور الصحف العربية في الصحف المصرية!! انتهي ما كتبه شيخ الصحفيين حافظ محمود أثناء عمله واشتغاله في جريدة السياسة ومن المهم قراءة شهادة الدكتور محمد حسين هيكل باشا نفسه الذي كان يرأس تحرير السياسة في ذلك الوقت، حيث يقول في الجزء الثالث من مذكراته: جاءنا في جريدة السياسة يهودي بدأ يكتب عندنا مقالات في شئون شتي لا علاقة لها بفلسطين ولا بالهجرة اليهودية ثم حدثني في تأييد السياسة للحركة الصهيونية بحجة أن العرب واليهود من الجنس السامي الذي يقاومه الأوروبيون بكل قوتهم، وزاد علي ذلك أن السياسة تفيد من هذا التأييد فائدة مادية جسيمة، فأعتذرت له عدم إجابة مطلبه، فالسياسة جريدة حزبية طابعها إسلامي وتأييدها للحركة الصهيونية لا يتفق مع مبادئنا. وعرض الرجل أن نجعل من السياسة منبراً حراً في هذا الاتجاه، فأعتذرت مرة أخري بأن مصر تؤازر البلاد العربية جميعاً في المطالبة بالاستقلال وتقرير المصير، وأن السياسة علي أية حال تفقد الشيء الكثير من نفوذها إذا أيدت حركة ضد العرب في فلسطين أو غير فلسطين. ولا يحتاج ما رواه د. هيكل باشا أو شيخ الصحفيين حافظ محمود إلي تعليق بل ما يحتاج إلي تعليق هو محاولات اليهود لاختراق الصحافة العربية أمس واليوم وغداً.