لعل هذه المباراة تعتبر من أقوي اللقاءات في تاريخ كرة القدم علي مر العصور، فجماهير المستديرة علي موعد مع الكلاسيكو اللاتيني بين منتخبي الأرجنتين والبرازيل فجر الأحد القادم ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا. وتعتبر هذه المباراة في غاية الأهمية للتانجو الذي يحتل المركز الرابع في التصفيات قبل 4 جولات من نهايتها برصيد 22 نقطة من 14 مباراة، وهو المركز الأخير المؤهل مباشرةً إلي جنوب أفريقيا، فيما تتصدر البرازيل الترتيب برصيد 27 نقطة أمام تشيلي 26 والبارجواي 24 . وترجع الأهمية الخاصة للمباراة نظرا لقوة الفريقين اللذين يعتبران من عمالقة الكرة في العالم وزعمائها في القسم الجنوبي من القارة الأمريكية وصاحبي ثلث ألقاب المونديال وحدهما (7 ألقاب في 18 بطولة)، ومنبعي النجوم المبدعين الذين صالوا وجالوا وما زال عديد منهم في كبريات البطولات في شتي بقاع العالم. . ودائما ما تشهد لقاءات الفريقين الشد والجذب والشغب البعيد تماما عن كرة القدم وتختلف المصادر حول جذور العداوة بين البلدين كروياً وإن كانت المنافسة القوية بين منتخبي البلدين والإثارة الشديدة التي تلف مبارياتهما علي الزعامة في جنوب أمريكا كافية للصراع التاريخي بين السامبا والتانجو، وإن كانت بعض المصادر تذكر أن لقاءً جمع منتخبي البلدين في العام 1920 هو السبب في تبادل المواقف العدائية ويومها استقبلت الصحافة المحلية في الأرجنتين لاعبي الضيوف بالسخرية والرسوم الكاريكاتورية التي شبهت بعضهم بالقرود ما جعل أكثر من لاعب ينسحب ويرفض اللعب ما اضطر الفريقين إلي اللعب بثمانية لاعبين. ووصل الأمر في بعض الأحيان إلي زج أحد الطرفين بفريق محلي يمثل ولاية أو كما يسمي »تفاهم أندية« معينة وذلك استخفافاً بالفريق المنافس، وطالما حفلت بعض المباريات والودية منها بحفلات ضرب وركل وتدخلات جماهيرية حتي وقت قريب، واشتد الأمر أكثر من الديربيات المحلية التي تتقابل بها أندية من البلدين وخاصة في كأس الليبروتادرس، ولا يقتصر هذا الأمر علي الصغار بل يتضمن ذلك مباريات الفئات العمرية (الشباب والناشئين) وقد يصل الأمر إلي القيام بأمور بعيدة عن الرياضة بغية تحقيق الفوز، فها هو مارادونا يعترف بأنه جري دس مادة منومة للاعبي البرازيل والجهاز الإداري للمنتخب قبل لقاء الفريقين في دور ال16 في مونديال 1990 . لا يختلف البرازيليون والأرجنتينيون فقط علي زعامة الكرة اللاتينية أو علي نجومية لاعبيها وكفاءة مدربيها بل وصل الخلاف إلي عدد المباريات التي جمعت منتخبي البلدين، فعلي الرغم من الاتفاق علي اللقاء الأول الذي جمع تشكيلتين مثلتا التانجو والسامبا في عام 1914 أي قبل 95 سنة إلا أن سجلات الكرة فيهما لا تقر برسمية كل المباريات وخاصة أن أول لقاءين لم يكن فريق الأرجنتين المنتخب الأول وكذلك في عام 1968 تعتبر المصادر الأرجنتينية أن اللقاءين اللذين لعبهما منتخب التانجو لم يكونا مع منتخب السامبا بل مع فريقي ولايتي جوانابارا وميناس جيراس. وبالوصول إلي الحصيلة النهائية لما يمكننا إطلاق عليها صفة الديربي اللاتيني نجد أن 96 مباراة جمعت الفريقين علي الصعد كافة، ودياً ورسمياً وقد شهدت عليها مدن أمريكا الجنوبية كافة وحتي الشمالية وأوروبا واستراليا، فانتهي منها 36 لقاء بفوز البرازيل و35 بفوز الأرجنتين و24 تعادلا ولا يعترف موقع الفيفا علي الإنترنت إلا ب93 لقاء مع إلغاء علي ما يبدو المباراتين الأوليين في عام 1914 فيصبح اللقاء الأول 1916 وانتهي بالتعادل 1/1 مع نقص فوز لكل فريق (وكل ذلك حسب موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم). وقد استضافت مدن الأرجنتين 30 مباراة كان الفوز لأصحاب الأرض في 16 منها والتعادل في 8 مباريات بينما جرت 41 مباراة في الأراضي البرازيلية شهدت الفوز 23 مرة مقابل 10 تعادلات آخرها في يونيو 2008 ضمن التصفيات المونديالية ويعتبر عقد الخمسينيات الأغزر في اللقاءات فلعبا 13 مباراة انتهت عشر منها بتقاسم الفوز و3 تعادلات وفي عقد السبعينيات لم تعرف الأرجنتين الفوز من خلال عشر مباريات جمعتها بخصمتها التي فازت بست مباريات. وحسب موقع الفيفا فإن الأرجنتين سجلت 145 هدفاً مقابل 136 هدفاً لكن بالحسابات الدقيقة وجدنا أن الفريقين متعادلين حتي بالأهداف بواقع 147 هدفاً، ويعتز أبناء التانجو بأنهم أصحاب النتيجة الأعلي 6/1 وذلك في لقاء بيونس أيرس 1940، أما الفوز الأعلي لراقصي السامبا فكان في عام 1945 بنتيجة 6/2 أما النتيجة الأغزر فكانت 4/3 للأرجنتين في عام 1945 . يذكر أن التعادل السلبي سيطر علي 8 لقاءات فقط. ويعتبر أكثر اللاعبين مشاركة في لقاءات الديربي اللاتيني بيليه من الجانب البرازيلي وخاض 16 مباراة سجل فيها 8 أهداف كصاحب أعلي رصيد بين أبناء جلدته منها هدفه الدولي الأول في ظهوره الأول، وفي الأرجنتين بلغ خافيير زاينني مباراته ال14 في حزيران 2008 أما الهداف الأعلي فهو باتيستوتا برصيد 8 أهداف في 7 مباريات. انتظر الفريقان حتي مونديال 1974 ليلتقيا ضمن المحفل العالمي وذلك في الدور الثاني وكانت الغلبة لريفلينو وجيرزينيو ورفاقهما 2/1 ثم تواجها في المباراة الشهيرة بالمونديال الأرجنتيني 1978 وانتهت بالتعادل السلبي، واللقاء الثالث في 1982 ضمن مباريات الدور الثاني يومها طرد مارادونا ودانت النتيجة لزيكو وفالكاو وجونيور 3/1، وحقق فريق طيب الذكر مارادونا الفوز الوحيد للتانجو وذلك في مونديال ايطاليا 1990 في المباراة الوحيدة التي خضعت لنظام خروج المغلوب وانتهت بهدف كانيجيا الشهير. وغابت لقاءات الفريقين في التصفيات حتي مطلع الألفية الثالثة عند إقرار النظام الحالي للتصفيات فلعبا ضمن الاقصائيات 5 مباريات حتي الآن انتهت منهما اثنتان لمصلحة البرازيل 3/1 وفي المرتين 2/1 و3/1 لمصلحة الأرجنتين والتعادل الوحيد كان في لقاء العام الماضي. ومن طرائف لقاءات التصفيات في مباريات ريودي جانيرو 2005 أن رونالدو سجل أهداف البرازيل الثلاثة من ثلاث ركلات جزاء. وعن مباراة الأحد فيعتبر أكثر الأشخاص المحاطين بالضغط وهو مدرب التانجو الأسطورة مارادونا الذي ومنذ قدومه لتدريب منتخب بلاده ونتائج الفريق وأداؤه سيئ للغاية حتي أنه خسر من بوليفيا 6-1 في كبري مفاجآت التصفيات. وفي إحدي تصريحاته عن المباراة أكد دييجو أن بلاده لن تهزم أمام البرازيل في اللقاء المنتظر . وأضاف مارادونا في مؤتمر صحفي في روزاريو: "لا أفكر إلا بالفوز. لا أفكر أبداً بالهزيمة. إننا متعطشون إلي الفوز أكثر من البرازيل". ويعتبر اللقاء حاسماً بالنسبة إلي المنتخبين خصوصاً الأرجنتين، وبنسبة اقل المواجهة مع البارجواي بعد 3 أيام من الأولي، بينما لا تشكل المباراتان الأخيرتان ضد البيرو صاحبة المركز الأخير والأوروجواي السادسة خطورة كبيرة علي رجال مارادونا. وقال النجم الأرجنتيني السابق الذي بدأ الإشراف علي منتخب بلاده في نوفمبر 2008، "كل منتخب البرازيل يخيفني لأنه منتخب رائع لكن كاكا وروبينيو هما أفضل عناصره. أكن احتراماً كبيراً للمدرب كارلوس دونجا، فهو يقوم بعمله علي أكمل وجه". وقال ً: "نحن جميعاً أرجنتينيون وسنلعب بكل ما أوتينا ضد اكبر منافس لنا. علينا أن نبقي موحدين وإلا فإن البرازيل قد تطيح بنا". وأكمل الأسطورة الأرجنتينية بأن صفوف منتخب بلاده مليئة بالإصابات حيث يعاني من غياب جوناس جوتييريز ومارتن ديميكيليس ولوتشو جونزاليز بسبب الإصابة، بالإضافة إلي تعرض مهاجم انتر ميلان الإيطالي دييجو ميليتو ولاعب وسط استوديانتيس خوان سيباستيان فيرون ولاعب بوكا جونيورز سيباستيان باتاجليا إلي الإصابة أيضاً خلال التمارين الأخيرة. وقال مارادونا "لقد خسرنا جنوداً عدة، بالنسبة إلي باتاجليا فإن مشاركته مستحيلة، أما فيرون فآمل أن يتعافي في الوقت المناسب لأنه عنصر مهم جداً في الفريق". وأضاف مازحاً: "الجميع يريدون أن يخوضوا المباراة ضد البرازيل لكن هذا الأمر مستحيل. الجميع يملكون الفرصة لكي يلعبوا حتي كارلوس بيلاردو" في إشارة إلي المدير الفني البالغ السبعين من عمره. كانت الإصابات العديدة في صفوف المنتخب أجبرت مارادونا علي استدعاء المهاجمين: المخضرم مارتن باليرمو (35 عاماً) الذي خاض آخر مباراة دولية له قبل تسع سنوات، ورولاندو شيافي (36 عاماً). وختم مارادونا قائلاً: "إذا فزنا علي البرازيل سنتأهل إلي كأس العالم". وفي المعسكر الأصفر فتعتبر عودة أدرياو لتشكيلة السامبا أغرب ماقام به مدرب الفريق كارلوس دونجا حيث أن اللاعب مبتعد عن المباريات القوية منذ فترة طويلة بعد أن ترك فريقه إنتر ميلان الإيطالي عائدا للعب كرة القدم في بلده. إلا أن دونجا معتمد أن اسم أدريانو يمثل ذكري سيئة بالنسبة لكرة القدم الأرجنتينية، وقد يتسبب قرار استدعائه في شيء من القلق داخل صفوف منتخب التانجو. وكان اللاعب الملقب بالإمبراطور هو البطل الرئيسي في انتصارين تاريخيين لراقصي السامبا علي منافسهم الألد في أمريكا الجنوبية. جاء أول هذين الانتصارين في المباراة النهائية لبطولة كوبا أمريكا عام 2004، عندما سجل هدف التعادل القاتل في الوقت بدل الضائع، لتمتد المباراة إلي ضربات الترجيح التي حسمها المنتخب البرازيلي رغم سيطرة الأرجنتين علي أحداث اللقاء طوال التسعين دقيقة. ولم يكن منتخب التانجو قد استوعب هذه الخسارة بعد، عندما عاد أدريانو وقاد أبطال العالم خمس مرات لفوز مذل علي الأرجنتين 4/1 في المباراة النهائية لبطولة كأس القارات عام 2005 في ألمانيا. ونفي المدير الفني للمنتخب البرازيلي كارلوس دونجا أن يكون استدعاء أدريانو إلي صفوف المنتخب البرازيلي بعد أربعة أشهر من الغياب من باب "الحرب النفسية" لإرهاب المنافس. وأكد المدير الفني في تصريحاته عقب إعلان القائمة "في الأندية التي لعب لها وفي المنتخب البرازيلي نفسه ، أظهر أدريانو أنه مشكلة لأي فريق. لن يكون من الصواب استدعاؤه فقط لتاريخه أمام الأرجنتين، لقد عاد إلي المنتخب بسبب تألقه الحالي مع فلامنجو". ويري دونجا أن "الإمبراطور" أثبت خلال الأشهر الأخيرة أنه شفي تماما من آثار الأزمة التي أبعدته عن صفوف المنتخب في أبريل الماضي، بعدما اختفي لثلاثة أيام كاملة، قضاها في منطقة فيلا كروزيرو العشوائية والعنيفة التي ولد بها ، وذلك بعد مشاركته احتياطيا مع الفريق في مباراتيه أمام الإكوادور وبيرو في تصفيات كأس العالم. بعد ذلك، عاد اللاعب إلي الظهور ليعلن في مؤتمر صحفي أنه قرر الابتعاد عن كرة القدم مؤقتا "لمراجعة" مشواره. واستغرقت فترة الراحة هذه شهرا واحدا، كان كافيا للتفاوض حول فسخ تعاقده مع إنتر ميلان والتوقيع لفلامنجو. ومنذ انضمامه للنادي البرازيلي، وعلي الرغم من بعض المشكلات المتعلقة بالانضباط، يبدو أن الإمبراطور قد استعاد تاجه. ففي 15 مباراة شارك فيها مع الفريق في الدوري البرازيلي هذا الموسم سجل عشرة أهداف يتصدر بها ترتيب الهدافين. وأكد دونجا أن التألق الحالي للإمبراطور وليس تاريخه أمام الأرجنتين هو الذي دعاه إلي ضمه إلي قائمة من 22 لاعبا أعلنها استعدادا لمواجهة المنتخب الأرجنتيني علي أرضه. وسوف تنتظر جماهير كرة القدم في مختلف أنحاء العالم نتيجة هذا الملاسيكو الذي يعتبر ألهم في السنوات الأخيرة حيث من المتوقع أن تكون في غاية الإثارة خاصة أن هزيمة التانجو سيكون معناها صدمة لمتابعي الساحرة المستديرة. لأن هذه الخسارة سيكون معناها ابتعاد منتخب الأساطير عن نهائيات كأس العالم في سابقة لم يشهدها معظم الأجيال الماضية.