هل يجب أن يولد السياسي في العشوائيات؟ بقلم : عبدالله كمال هل ينبغي علي السياسي في مصر لكي يشعر بالناس أن يتربي في العشوائيات .. هل عليه أن يعيش في عشة.. هل عليه أن يتدافع مع العشرات في الاتوبيسات .. لكي لانعتبره بعيدا عن خلق الله؟! هل كل السياسيين في العالم خرجوا من غياهب الفقر المدقع .. وهل الفقر أصلا يصنع سياسيين .. أم أنه يقدم غاضبين .. محملين بمشكلاتهم وتاريخهم وثأرهم الشخصي وغضبهم الذاتي ؟ لاشك أن الانتماء الاجتماعي يؤثر بشكل ما في طريقة التفكير .. وإن كان ليس العنصر الوحيد.. غير أن السياسي ليس عليه أن يقطع ملابسه لكي يكون مقنعا .. كما أنه ليس عليه أن يكون ثريا مرفها .. وأفضل السياسيين هو من ينتمي إلي الطبقة الوسطي بتدرجاتها .. ولست أعتقد أننا يمكن أن نصنف جمال مبارك إلا في إطار تلك الطبقة التي يدافع عن مصالحها من خلال السياسات . لقد أشرت بالأمس إلي أنني سوف أتناول هذه المسألة التي طرحها رئيس تحرير جريدة الدستور الزميل إبراهيم عيسي وكتبها في مقاله يوم الأحد، الصحيح أنها بالطبع ليست فكرة جديدة لديه.. وهي نسج علي ترديده السابق والمكرور .. الذي يصف فيه أمين السياسات جمال مبارك بأنه (قد تربي في قصر وفي فمه ملعقة ذهب) .. هذه قناعته الأثيرة .. ولكنه هذه المرة بلغ حد وصفه ب(جمال المأسور)!! هذه الفكرة يجب أن تناقش بجدية .. ولا أعتقد أن أصحابها قد ناقشوها مع أنفسهم بقدر ما يرددونها دون تعمق .. لأسباب أيديولوجية .. ولأنهم لديهم موقف مسبق من أمين السياسات.. بنوه بما فاق طاقتهم وانتهي الأمر .. بل سبقهم الأمر بحيث لم يعودوا قادرين أن يسيطروا علي إيقاعه .. ويتصاعد يوما تلو آخر .. خصوصا هذه الأيام .. بحيث إنني أري في مضمون ما يكتبون توترا غامض الأسباب .. ربما لأنهم يشعرون أن القوالب التي يرددونها صارت متكررة .. وليس فيها جديد.. وربما لأن خطابهم لا يجد الصدي الذي يحلمون به .. أو لأن لديهم أسبابًا غير ذلك سوف تنكشف. بغض النظر عمن أعلق عليه، فإن لدي فريقًا من كتاب مصر قناعة طريفة جدا .. يرددونها كثيرا حين يحاولون أن يشوهوا صورة سياسي ما .. وهي أنه بعيد منعزل يقرأ التقارير .. والمثير للتساؤل هنا : وما الذي يمنع أي سياسي من أن يقرأ التقارير ؟.. كيف يمكن أن يطلع سياسي من أي نوع علي كل شيء بنفسه .. هل عليه أن يجري الدراسات بذاته .. هل عليه أن يراجع مصفوفات الأرقام .. هل عليه أن يجري استطلاعات الرأي يدا بيد ؟.. الديموقراطية الاثنية المباشرة لم يعد لها محل من الإعراب .. ولا توفر سبلها تعقيدات الواقع ..هذه سذاجة مفرطة. ثم ما هو عيب التقارير .. ومن الذي قال إن هناك سياسيا ناضجًا يمكن أن يستسلم لتقرير دون آخر .. إذا كنا نحن الصحفيين نوثق معلوماتنا من أكثر من مصدر .. فما بالنا بسياسي يريد أن يبني موقفا أو رؤية .. أليس عليه أن يستمع أكثر .. ويقرأ أكثر .. وكيف يمكن أن نتخيل في العصر الحالي أن هناك من يمكن أن تأسره معلومة واحدة ووجهة نظر فردية تقدم له من نافذة ضيقة .. إذا كان بمقدور أي شخص أن يطالع ما يشاء .. باستخدام تقنيات العصر الحديث؟ فكرة أن السياسي يعيش خلف أسوار عالية .. لا تنطبق هنا .. لكني أعتقد أن المشكلة هي أن من يكتبون ذلك يريدون أن تصل رؤاهم .. فلما يشعروا أنها غير مؤثرة يقولون أنها لم تصل أو محجوبة .. بينما عليهم أن يعيدوا مناقشة أفكارهم ومراجعة ما يستندون إليه .. إذا افترضنا حسن النوايا وهو افتراض بعيد . في حالة أمين السياسات ، لا توجد وجهة نظر يمكن أن تبقيه بعيدا عن رأي دون رأي .. لأن النقاش مفتوح .. وكثير من الناس يعبرون عن مواقفهم ورؤاهم معه وإليه .. داخل آلية الحزب حيث يمارس نشاطه السياسي .. وحيث يكون علي صانع السياسة داخل الحزب وعبر آلياته الشرعية أن يبني سياسة قائمة علي مراعاة كل المصالح .. لكي يستطيع متخذ القرار في الدولة - حكومة أو أياً من آليات التنفيذ - أن يصدر قرار تطبيق السياسة بأسلوب يحقق مجمع الاعتبارات وليس واحدا دون غيره . ثم إن هذا الانعزال الذي يصفون به جمال مبارك هو نغمة قديمة .. صارت نشازا.. وكانوا فيما مضي يقولون إن أمانة السياسات تعيش في غرف مغلقة .. في حين أن هذا بعيد عن الواقع تماما .. لأسباب مختلفة .. أهمها أن أعضاء الحزب الذين يبدون آراءهم في السياسات ليسوا في تلك الغرف .. وإنما هم في الشارع .. وإن السياسات تضطلع بقدر هائل من الاستماع إلي جميع آراء أصحاب المصالح المعنية بها عبر تنظيمات المصالح من نقابات وجمعيات وأفراد .. لدرجة تجعل إعداد السياسة في بعض الأحيان بطيئا جدا .. وفق إحساس البعض بإيقاع آخر . ومن المضحك أنهم يقولون لك إن جمال مبارك حين يزور القري الأكثر احتياجا .. إنما لا يري الناس .. بل يري مجموعة من المختارين والمحددين سلفا .. ولست أدري من أين جاءوا بهذه القناعة المسلية وتلك التصورات الطفولية.. هل لأنهم لم يروا بأعينهم .. أم لأنهم لا يريدون أن يعرفوا الحقيقة .. كيف يمكن أن يختار الحزب لأمين السياسات بشرًا مقررين .. ومن المدهش أن هؤلاء المختارين - افتراضا - يقفون ليشكوا ويتحدثوا عن مشكلات قراهم .. فكيف يمكن اختيار أفراد يشكون؟ أليس علي من اختاروهم - وفق هذا الفرض - أن ينتقوا من يقولون كلاما جميلا مزوقا؟! كيف بسياسي يريد أن تنجح السياسات التي تخلقها أمانة يتولي مسئوليتها أن يخدع نفسه .. وأن يأسر ذاته، كما يدعي المقال وصاحبه، ، في جب رؤية واحدة .. إن المنطق والواقع يقول إنه يستمع إلي كل الآراء .. لكن المهم هو نوعية الآراء .. وهدفها .. فهل هي علمية ومنطقية ومعبرة عن توجهات حقيقية للمجتمع وراغبة في حل المشكلات .. أم أنها مجرد (هلفطة) لا تستند إلي العلم .. وتأسرها المواقف المسبقة التي لا يستطيع أصحابها أن يراجعوها في حين أنهم يأملون من سويداء قلبهم أن تتاح لهم فرصة مراجعتها .. بشرط ألا يرصدهم أحد . افعلوا ذلك .. وسوف نتغافل عنكم .. لن نراكم.
الموقع الإلكتروني: www.abkamal.net البريد الإلكتروني : [email protected]