قضايا التعليم العام والفني ملحة إلا أنها تطفو علي السطح خاصة في أشهر الصيف كل عام ومنها طبعا هذا العام. وها هو رئيس الوزراء يستعرض خطة لتطوير التعليم الفني. والتعليم الفني الحقيقي أساس من دعائم بناء المجتمع. إلا أنه لا يتم التركيز علي التعليم الفني بل إن طلبته وخريجيه لا يلقون اهتماما يتناسب مع ثقلهم. ناهيك عن انخفاض مستوي التعليم الفني وعدم توافر العمالة الماهرة ونوعيتها وهو من معوقات التنمية الاقتصادية. بل إن تطوير العمالة الماهرة عنصر أساسي للمنافسة في الأسواق العالمية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وخفض مستويات البطالة. بحسب بعض إحصائيات (2000) فهناك حوالي 2 مليون طالب وطالبة في المدارس الثانوية الفنية (منهم 865 ألفا في التعليم الصناعي و190 ألفا في الزراعي و860 ألفا في التعليم التجاري) مقارنة مع 1.25 مليون طالب في الثانوي العام. وذكر مؤخرا (الأهرام أغسطس 2009) أن عدد طلاب قطاع التعليم الفني أزيد بنسبة 150٪ من عدد طلاب الثانوي العام وأن قطاع التعليم الفني يضم شريحة عمرية تمثل اكثر من 65٪ من مجموع طلاب الثانوي العام والفني. إلا انه يلاحظ أن خريجي مدارس التعليم الفني يمثلون أعلي معدلات البطالة وهم عموما غير مؤهلين لتعليم أعلي بل فقدوا المنافسة في الوصول إلي مستويات أعلي من التعليم. وانخفاض مستوي التعليم الفني يعزي عموما إلي عدم توافر الموارد الكافية وتدني النوعية والكفاءة فضلا عن عدم التطور وعدم الوفاء بمتطلبات سوق العمل أو توفير المؤهلات المطلوبة ومخرجاته لا تخدم قضايا التنمية كما او توزيعا. ويلاحظ ندرة العمالة الماهرة خاصة التي تستخدم التكنولوجيا ولا يتم التدريب بصفة مستمرة مما يؤكد الحاجة إلي التدريب أثناء العمل وإعادة التدريب لتحديث نوعية المهارات وتناسبها مع سوق العمل والاحتياجات المتغيرة مع بناء القدرات وإعداد أجيال من الفنيين والصناع المهرة وإمكانية العودة للتعليم من جديد. ويلزم تغيير المفاهيم المجتمعية نحو النظرة للتعليم الفني فهناك عدة أسباب اجتماعية ونفسية دخيلة علي المجتمع وراء عدم الإقبال طواعية علي التعليم الفني. فطلبة هذا النظام هم في الأساس ممن لم يحالفهم الحظ في الالتحاق بالتعليم العام والعالي. وأضحي اختيار التعليم الفني والمهني الاختيار الثاني للطلبة. بل إن طلبة مراكز التدريب هم الذين لم يستطيعوا الحصول علي درجات كافية للتعليم الفني الثانوي أو استكمال تعليمهم. وشاعت ثقافة انخفاض قيمة وقدر مدارس التعليم الفني والمهني بين الشباب والعائلات والشركات. ويفضل معظم الطلبة التعليم العام والجلوس علي مكاتب والانضمام إلي أصحاب الياقات البيضاء حتي ولو كان ما يتقاضونه قليلا ولا يقارن مع ما يتقاضاه خريج المعاهد الفنية. ونحتاج إلي تجاوز هذه الأفكار البالية التي ليس لها أساس من قيم أو دين وتأصيل احترام قيم العمل الجاد والإخلاص فيه في أي مجال وليس المظاهر البراقة فحسب، وتغيير نظرة مجتمعنا إلي التعليم الفني علما أنه لا توجد هذه النظرة والنعرة في الخارج. بل هناك نماذج عديدة بارزة من خريجي التعليم الفني يفخر بهم مجتمعنا ولهم بصمات واضحة ويشغلون أعلي المراكز. ويلزم تعزيز التنسيق والتواصل ما بين الشركات ومعاهد التدريب في الوفاء باحتياجات سوق العمل عن طريق ترجمة المصانع لخطط تطورها الاقتصادي إلي احتياجات تدريبية ومهارية محددة يتم التدريب للوفاء بها. وتطوير مؤسسات التعليم والتدريب الفني والمهني وتحديت نوعية التعليم والتدريب أثناء وقبل الخدمة وبعد التوظيف فضلا عن التكامل ما بين التعليم النظري والعملي وضمان تمتع الخريجين بالقدرة علي المنافسة والابتكار وليس المعرفة فحسب. إضافة الي اعادة الهيكلة للقطاع ومخرجاته ليصبح اكثر اعتمادا علي الطلب والوفاء باحتياجات المدربين والاحتياج المتزايد للعامل الماهر في سوق العمل. ويستوجب الأمر تطوير مواد التدريب العملي والتحديث والاستثمار والصيانة لمعدات الورش والتدريب، وألا يقتصر التعليم علي نواح نظرية فحسب دون تعليم فني متخصص أو تدريب فعلي يعول عليه. ويلزم إصلاح نظام التدريب الفني والمهني كأساس لتحسين مستوي المعيشة مع تعزيز مشاركة المجتمع والشركات في التعليم والتدريب وتوفير مهارات السوق وعادات العمل المطلوبة وربط الطلبة بفرص عمل ممكنة في نفس الوقت.وقد يلزم ضمان اجادة الخريج للغة أجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية أو ربما الصينية) لكي يكون قادرا علي التعامل والتعرف علي أحدث التكنولوجيات العالمية. إننا نحتاج إلي تحسين التعليم في المدارس والمعاهد الفنية وتقليل الفوارق ما بين التعليم الثانوي العام والثانوي الفني والجامعي والمتوسط وترغيب الطلبة في التعليم الفني الجاد وإعادة هيكلته ومخرجاته والتسويق له وخلق رأي عام مؤيد لأهميته ومزاياه. فما يلزمنا بحق هو تعليم فني جاد متخصص يؤدي إلي خريج متمكن في مجاله مواكب لاحتياجات السوق ولأحدث التكنولوجيات ويستطيع التعامل معها وليس كثرة من خريجين وشهادات ومستندات وجودة وهمية وإلا فلنفضها سيرة.