كحجر ألقي في بحيرة ساكنة ، أو هكذا تبدو للناظرين، جاءت موجة الشائعات الكنسية الأخيرة المتعلقة بخلافة البابا، والتي تطايرت فيها البيانات والبيانات المضادة، وبعيداً عن الهوس الذي أصاب أطرافاً عديدة حتي اختلط الحابل بالنابل والحقيقي بالزائف، نتوقف أمام المداخل المسببة لحالة الارتباك التي أمسكت بخناق رموز كنسية وإعلامية عديدة، لنجد أنفسنا أمام وضع ملتبس وغير مفهوم ولا يتسق مع معطيات العصر ولا مع المتوقع منطقياً مع رؤية وإمكانات وخبرة قداسة البابا شنودة الثالث، وهو غياب منظومة إعلامية كنسية تتناسب وثقلها، والتي تتولي متابعة ما يجري داخل الكنيسة وخارجها وإصدار البيانات الصحفية المتعلقة بها، خاصة عندما تكون الكنيسة طرفاً في الحدث أو في القلب منه، حتي لدرجة عدم وجود مكتب إعلامي احترافي يقطع الطريق علي التأويلات والتخمينات المصطنعة غالباً ممن يتربصون بالكنيسة، وهو أمر يخلق حالة من العشوائية، تزيد من البلبلة وتفتح الباب للدخلاء لاغتصاب ألقابً ومواقع ليست لهم، يتم تصنيعها داخل اروقة بعض الصحف ودهاليز بعض الفضائيات، وتدفع الكنيسة الثمن من سلامها واستقرارها، وقد اختزلت مصادر الأخبار في مجلة الكرازة التي أصابتها الشيخوخة والجمود واجتماع البابا الجماهيري الأسبوعي والذي يتأرجح مع وضعية قداسة البابا الصحية والمزاجية. وقد تأتي الأخبار من تصريح هنا أو هناك من أحد شخوص الدائرة القريبة من الكاتدرائية، أو من يزعمون هذا، في مناخ موروث يستكثر أن يعلن أنه لا يعرف دقائق القضية التي يتحدث فيها، وهو منتج طبيعي لغياب ثقافة الشفافية والمصارحة فضلاً عن حجب المعلومات والبيانات، وربما يكون هذا أحد تداعيات الاستبعاد الفعلي لدور العلمانيين في الكنيسة وإضافة دورهم لرجال الإكليروس في مفارقة مذهلة لكل ما نادي به قادة الكنيسة حين كانوا قبلاً في مقاعد العلمانيين (19471954) ، وإن كان التواجد العلماني موجودًا شكلاً لكنه لا يتجاوز نطاق العمل التنفيذي لتعليمات وأوامر الاكليروس دون المشاركة الفاعلة في رسم السياسة الكنسية في دائرة الجوانب الادارية بعيداً عن العقائد بطبيعة الحال، رغم خبرات وتخصصات العلمانيين المتعددة والثرية التي لو استثمرت بشكل موضوعي من منطلق التكامل العضوي الذي تؤمن به الكنيسة، وقد تم تمرير هذا عبر تكريس ثقافة الطاعة التي هي بحسب ما يروجونه المدخل للبركة، في تواز مع استبعاد ثقافة الحوار الذي يوصم من يطالبون به بأنهم خوارج وربما خونة وعملاء يسعون لتقويض الكنيسة هكذا !! بينما نجد أن الآباء الرسل انتبهوا لأهمية التكامل ومشاركة العلمانيين في تدبير الكنيسة في بواكير تأسيس الكنيسة واحتفظ لنا سفر اعمال الرسل بتجربتهم حين أوكلوا العمل الخدمي لأناس من غير الاكليروس ليتفرغوا هم للخدمة الروحية، ولعلنا نجد في هذا الإقصاء تفسيراً لتراجع الخدمة الروحية وخدمات الافتقاد فمن أين يأتي الكاهن بالقدرة علي القيام بعمله الروحي وما اضيف اليه من اعمال ادارية وخدمية كانت من اختصاص غير الاكليروس ؟!! ، ونصطدم بواقع مؤلم حين يتم الدفع ببعض من الشباب الغر والباحث عن مكان تحت وهج حلمهم بالاقتراب من القيادات الكنسية وإطلاقهم لمهاجمة محاولات ضبط واقع الكنيسة علي التسليم الآبائي في صحيحه، ليغسل من يدفعهم يديه من المعركة المفتعلة، ولعل تجربة التجمع العلماني تعطينا نموذجاً لهذا، علي الرغم من أنها تجربة قدمت ابحاثاً وأوراق عمل تناولت أهم الإشكاليات الكنسية بموضوعية ونضج لم تكتف بطرح الإشكالية، بل قدمت لها حلولاً موثقة وكنسية، لكنها ولأنها مثلت تحريكاً لمصالح استقرت للبعض، أو قوضت أحلاما وطموحات مازالت تداعب بعضًا أخرًا، قوبلت بوابل من الهجوم المكثف العبثي والعشوائي ، لكن الأحداث الأخيرة كشفت مصداقية طرح التجمع العلماني . في ظني أنه وبعيداً عن التشاحن وصراع المصالح لا بد ان تملك القيادة الكنسية شجاعة قراءة واقعها وتتخذ من القرارات ما يعيدها الي مربع خدمتها الأساسية وهو السعي لخلاص النفوس همها الأول والأخير، من خلال اعادة النظر في مغازلة العمل السياسي ، ومراجعة منظومة الخدمة الروحية؛ الخادم والمنهج ومعاهد إعداد الكاهن والأسقف، في ضوء الحوار الذي دار بين مرثا والسيد المسيح (وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة خدمة اعداد الموائد وترتيب المنزل فوقفت وقالت يارب أما تبالي بأن اختي قد تركتني أخدم وحدي فقل لها ان تعينني. فأجاب يسوع وقال لها مرثا مرثا انت تهتمين وتضطربين لاجل امور كثيرة. ولكن الحاجة الي واحد فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها لوقا 10) وهو نفس اضطراب وارتباك الاكليروس بما ليس لهم، خصما من عملهم الاساسي. ولعلهم يتذكرون أمر الكنيسة لهم حين أقامتهم في رتبتهم (ارعوا رعية الله التي أقامكم الروح القدس عليها ومن يدك يطلب دمها من صلوات رسامة الأسقف) . وهل يمكن في هذه الأجواء الدقيقة أن يدرس مجمع الاساقفة، المجمع المقدس، باعتباره السلطة العليا بالكنيسة - انشاء مركز إعلامي رسمي احترافي يتولي اصدار بيانات دورية وبحسب مقتضي الحال تجيب عن تساؤلات الإعلام ، أو تعلن الرأي الرسمي للكنيسة فيما يدور علي الساحة الكنسية والقبطية فيما هو متعلق بالكنيسة. اصدار مجموعة من القواعد القانونية الكنسية فيما يتعلق ب : 1 منظومة المحاكمات الكنسية، الإحالة وقواعد التحقيق وحق الدفاع ودرجات التقاضي وهدف المحاكمة بما يوفر اقصي حضور للعدالة، وتحديد ما يحسب مخالفة بدرجاتها والعقوبات المناظرة ، فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. 2 ضبط لائحة انتخاب البابا البطريرك، بتأكيد عدم جواز ترشيح وانتخاب الاساقفة ايبارشية وعام والمطارنة للكرسي البابوي وفق ضوابط القوانين الكنسية، ولهم في القديس جريجوريوس النيزنزي نموذجاً. 3 المجلس الملي ؛ بدءاً من المسمي الي الصلاحيات والمهام والتشكيل ومنهج عمله وضوابطه . 4 الإدارة المالية وتحديثها، في ضوء تعدد الموارد وتعدد المصارف والمشاركة في البعدين التنموي والتنويري . 5 ضوابط العلاقة بين الرتب الكهنوتية المختلفة في ضوء القوانين الرسولية والمجمعية المسكونية والمحلية وفي ضوء مستجدات العصر . 6 منظومة الرهبنة : القبول فيها وادارتها بما يحفظ لها خصوصيتها وعدم اقحامها في الصراعات بين الفرقاء خارج اسوارها . 7 تأكيد الفصل بين العمل الكنسي الروحي والعمل السياسي أسوة بالضوابط التي تمنع علي القضاة والجيش والشرطة التعاطي مع السياسة طالما كانوا بالخدمة كل في مجاله . ونحن كتجمع علماني سبق أن قدمنا للقيادة الكنسية جميع الاوراق والابحاث والتوصيات التي طرحناها عبر مؤتمراتنا المتتالية منذ عام 2006 وما بعدها والمتعلقة بكل هذا ، وعلي استعداد لإعادة تقديمها مجدداً للحوار حولها وتنقيحها سعياً لضبط واقع الكنيسة علي القواعد القانونية الآبائية الصحيحة في قراءة معاصرة منضبطة لها ، فهل من تحرك ايجابي بعيداً عن رباعية الاتهامات سابقة التجهيز : المؤامرة والتخوين والتكفير والتشكيك؟! نأمل هذا