دائماً ما نقول إن السحرة يرحلون عن دنيانا سريعا.. ويقولون إن مؤلفة سلسلة القصص الشهيرة (هاري بوتر) الساحر، والتي تدعي ج. ك. رولينج كانت قد قررت أن يموت هاري بوتر في الجزء الأخير من سلسلتها القصصية. ولكن الخبر تسرب إلي الصحافة.. ولأن الناس تحب (هاري) الساحر؛ فقد اعترضوا علي موته واضطرت المؤلفة لتغيير النهاية لتبقي علي حياة هاري من أجل محبيه.. ولكن الواقع شيء مختلف.. فالسحرة من حولنا يرحلون سريعا.. ولا يغير حب الناس نهايتهم المفاجئة والمفجعة.. وهذا هو ما حدث مؤخراً لصديقي (هنري خطار)، والذي كنا ندعوه بالمصادفة (هاري). ولو أنني أعتقد الآن أنها لم تكن مجرد صدفة، لأنه كان ساحرا قديرا.. يلمس الأشياء والأشخاص من حوله فتتغير حالتهم إلي حالة أخري.. فكان يستطيع أن يدخل البهجة أحيانا، والحماس في العمل أحيانا أخري.. وبهدوء يدفع ظلما عن مظلوم لا يتكلم.. وبفراسة يقرأ عقلا شاردا فيرده.. أو يرشد من حوله بسهولة ليتعلم كل واحد ما يحتاجه.. وكأن له قدرات خارقة يغير بها واقع الأشخاص.. وهو الشعور السائد لكافة زملائه في العمل، وأنا منهم. وكان (هاري) الساحر.. صديقي يعلم من فنون السحر ما يجعله يأسر القلوب.. ولكن هذا السحر لم يكن بتعويذة ولا بعصا ولا بخلطة سحرية.. بل كان سحرا من نوع خاص يتمثل في أفعال بسيطة تعكس مشاعر رقيقة.. فقد أجده وقد فاجأني بإهدائي كتابًا جديدًا بدون مناسبة.. سوي في أهمية هذا الكتاب، أو أجده يتصل بي ليعلق علي أدائي وآرائي بعد انتهاء البرنامج الذي استضافني مباشرة، أو يرسل لي تشجيعا في رسالة علي تليفوني المحمول ليؤيدني في رأي كتبته هنا في هذا العمود. ولكن أكثر ما أثر في شخصيا من فنون سحره الرقيقة.. كانت مخاوفه علي إذا قلت رأيا جريئا أو خضت معركة فكرية حامية.. فكان يحذرني من التمادي وينبهني لخطواتي بخوف وحب.. كان (هاري) صديقي الساحر إنسانا.. كان إنسانا ساحرا.. ولذلك لم يقدر له أن يعيش هنا طويلا فرحل بسرعة وفجأة.. ربما أنهي دوره ورسالته سريعا فرحل عنا بسرعة.. فهو قد خدم من حوله، وأحبهم، وقام بتغيير ما استطاع من حياتهم إلي الأفضل، ودافع عما كان يؤمن به من مساواة وتعاون، ونجح في إرشاد وتعليم من حوله ليس فنون العمل فحسب، بل وفن الحياة الإنسانية.. تري، هل كانت هذه هي رسالته.. فلما أتمها رحل؟ ربما.. قد نبكي علي أحبائنا ويظلون في ذاكرتنا طويلا؛ غير أن أصدقائنا من السحرة لا نبكيهم فحسب، ولا نحفظهم في ذاكرتنا فحسب، بل يشكلون جزءًا من نسيج أرواحنا.. ويبقون في كياننا كله.. وتبقي لمساتهم السحرية التي غيروا بها بعضا من حياتنا تشهد أنهم لم يموتوا كلية، بل ما زالوا يعيشون فيمن لمسوا حياتهم وشكلوا أفكارهم.. أعلم أن (هاري بوتر) بطل خيالي أماتوه ثم أحيوه.. كما أعلم أيضاً أن صديقي (هاري خطار) بطل حقيقي، ولكنه بالتأكيد حي ليس في دنيانا ومن خلالنا فقط بل وفي المكان الأفضل..