لن ينسي التاريخ مقولة الدكتور طه حسين وزير المعارف العمومية في حكومة الوفد أن التعليم كالماء و الهواء وأنه أول من بدأ تطبيق مجانية التعليم ما قبل الجامعي سنة 1950، و بعد قيام الثورة أعلن الزعيم جمال عبد الناصر إمتداد مجانية التعليم لتشمل التعليم الجامعي أيضاً. ومما لاشك فيه أن مجانية التعليم قد أتاحت فرصًا غير مسبوقة لبناء أمة علي وعي كاف بمستجدات العلم العالمية و لديها القدرة علي اللحاق بركب التطور العلمي العالمي ولكن ولأسباب عديدة أهمها الأزمات الإقتصادية التي فرضت علي مصر وكان من نتائجها تخفيض الإستثمار في مجال التعليم والبحث العلمي وإعتبار أن تلك الوزارات خدمية وليست إنتاجية ولذلك تدهورت منظومة التعليم ماقبل الجامعي والجامعي وكان بداية الإنهيار إلغاء اليوم الدراسي الكامل وتشغيل المدارس أكثر من فترة في اليوم الواحد بسبب زيادة الأعداد وفشلت الحكومات المتتالية في إنشاء مدارس لإستيعاب زيادة الأعداد والمحصلة النهائية لذلك أن منظومة التعليم فرخت أجيالاً من أنصاف المتعلمين و المحسوبين علي العلم وولدت مشكلة الطبقية الإجتماعية العلمية لتكون هناك كليات قمة و كليات قاع.. وبسبب ضعف الإستثمار في مجال التعليم العالي وتضاعف أعداد طلاب الثانوية العامة عاما بعد عام مع إستمرار مجانية التعليم أصبحت الجامعات عاجزة عن تقديم خدمة تعليمية ذات جودة حقيقية لأسباب عديدة منها ضعف الموازنة العامة للجامعات وتقليصها عامًا بعد عام، تكدس أعداد الطلاب، عجز في عدد الأساتذة ومدي ثقلهم العلمي، انهيار البحث العلمي لعدم وجود تمويل، هروب العقول المتميزة، وانتشار وباء الدروس الخصوصية .. والنتيجة النهائية انهيار في المنظومة التعليمية والبحثية وخروج جميع الجامعات المصرية من مونديال التقييم الدولي لأفضل خمسمائة جامعة في العالم! وتقدمت جامعات اسرائيل والسعوية وجنوب إفريقيا علينا في هذا المضمار.. ونظرا لوجود نص في المادة 18 من الدستور المصري يحمي مجانية التعليم "التعليم حق تكفله الدولة، وهو الزامي في المرحلة الابتدائية، وتعمل الدولة علي مد الالزام الي مراحل أخري، وتشرف علي التعليم كله...الخ"، بالإضافة إلي تمسك فخامة الرئيس محمد حسني مبارك حفظه الله بهذا الحق..لذلك تراجع جميع وزراء التعليم أمام تلك المجانية.. لكن الحكومة الحالية وللأسف ابتدعت لنا نظما تلتف حول مجانية التعليم وتقضي علي آمال وأحلام الشباب غير القادرين علي دفع رسوم باهظة للإلتحاق بتلك النظم الجديدة التي أطلقوا عليها مرة إسم البرامج الخاصة ومرة أخري أطلقوا عليها أسم برامج التميز والتي تبلغ رسوم مصاريفها أكثر من عشرة آلاف جنيه سنويا في بعض البرامج لذلك فأني أقترح بتسميتها برامج للخاصة والخاصة فقط..! أو برامج التمييز الطبقي.. في بداية التسعينيات قامت جامعة القاهرة بإنشاء نظام التعليم المفتوح لإتاحة فرصة ثانية للتعليم الجامعي لمن منعتهم ظروف اكاديمية أو اجتماعية من الحصول علي المؤهل الجامعي و الدراسة الجامعية وبشرط أساسي هو حصول الراغب في الالتحاق علي شهادة إتمام الدراسة الثانوية بفروعها أوما يعادلها من الشهادات العربية، وبالنسبة للطلاب المصريين فقط يجب مضي خمس سنوات " علي الأقل " علي تاريخ المؤهل : وبحد أدني 50 ٪ من مجموع الدرجات . وقد حقق هذا النظام دخلا رهيبا للجامعة وسبوبة كبيرة للقائمين علي إدارة مركز التعليم المفتوح والقائمين علي التدريس بهذا المركز لأن كل ساعة ولها مقابل مادي ضخم بالإضافة إلي بيع الكتب والمذكرات..! وبطبيعة الحال فأن القيادات العليا للجامعة تحصل علي نصيب الأسد من الفريسة..! ولذلك جاهدت قيادات كل الجامعات الحكومية تقريبا للحصول علي جزء من الفريسة وفي ظل الوزارة الحالية تم السماح لكل الجامعات تقريبا بتطبيق نظام التعليم المفتوح في بعض كلياتها وذلك مقابل مبالغ مالية يدفعها الطالب تقارب الفي جنيه سنويا تقريبا ! وهكذا وبقدرة قادر تحولت كل جامعة الي جامعتين واحدة للتعليم المفتوح بفلوس وأخري للتعليم المجروح أو المجاني سابقا... شيء مشابه لنظام الفترتين تقريبا الذي طبق في المدارس وكان من أهم أسباب تدهور التعليم في مصر.. وفي هذا العام وقعت الواقعة وتم فتح باب التعليم المفتوح للالتحاق بكليات مهمة ممن يدخلها خريج الثانوية العامة بأعلي المجاميع مثل الاعلام حيث سمح لحملة الثانوية العامة بدخولها بلا مجاميع، وبالآلاف! وتم الغاء شرط مضي خمس سنوات علي الأقل علي تاريخ المؤهل مما يتعارض مع الهدف الرئيسي من إنشاء نظام التعليم المفتوح. وأخيرا ظهرت نوايا الوزير وأعلن في جريدة الأهرام اليومية أن نظام التعليم المفتوح سوف يحل محل نظام الإنتساب والسبب طبعا واضح ومعروف وخاصة أن رسوم الإنتساب حوالي 400 جنيه في السنة بينما رسوم التعليم المفتوح تقارب الفي جنيه في السنة للطالب الواحد وهذا معناه سبوبة أكبر وأكبر للقيادات الجامعية علي حساب انهيار التعليم وتخريج آلاف من انصاف الكفاءات الذين لا يحتاجهم سوق العمل في مصر! وقد أدي تطبيق نظام البرامج الخاصة وبرامج الإنتساب الموجه وبرامج التعليم المفتوح إلي وجود خلل إجتماعي داخل الجامعة الواحدة وذلك بسبب التفاوت الكبير في الدخل بين أعضاء هيئة التدريس الذين يعملون في كليات تطبق بها تلك البرامج والكليات التي لاتطبق فيها هذه البرامج وانعكس الهرم فصار دخل عضو هيئة التدريس بكليات القمة أقل بمراحل من دخل زميل له في كلية تطبق تلك البرامج.. ويبقي السؤال المهم وهو إذا كانت الحكومة متمثلة في شخص وزير التعليم العالي تري أن نظام التعليم المفتوح أفضل من نظام الإنتساب بأنواعه وتصر علي تنفيذه فلماذا لاتدخل الرسوم الدراسية لطلاب التعليم المفتوح في الموازنة العامة للدولة وخاصة أن هذا النظام أدي إلي ظهور مكاتب سمسرة تقوم بتوريد الطلاب للكليات وتحقق أرباحًا طائلة نظير ذلك مع أن الدولة هي المالك الحقيقي للجامعات ولقد كشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن العديد من الأخطاء والمخالفات المالية نتيجة وجود تعاقدات غير متوازنة بين بعض الكليات في بعض الجامعات وتلك المراكز.. لذلك أناشد وزير التعليم العالي ولجنة التعليم بمجلس الشعب علي صدور قرار ينص علي أن تدخل مصاريف طلاب التعليم المفتوح ضمن الموازنة العامة، أقول قولي هذا وأنا واثق من رفض إقتراحي لأنه سيقفل باب السبوبة علي قيادات الجامعات، المهم أنني قد ابلغت، اللهم فأشهد.