لا تزال القارة الإفريقية، تعانى من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، التى تتضاعف تأثيراتها يوما بعد يوم، بسبب التحديات التى فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية بمختلف دول العالم، لتضاف لسلسلة من التحديات والأزمات الأخرى التى فاقمت من الأوضاع الاقتصادية فى القارة خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأسها جائحة كورونا وتحدى التغيرات المناخية وما تسببه من جفاف فى مناطق عديدة بإفريقيا وأيضا فيضانات فى مناطق أخرى. هذه التحديات جعلت من القارة الإفريقية أكثر المناطق تضررا من الحرب الأوكرانية الروسية، نظرا لضعف البنية الهيكلية لاقتصاديات كثير من الدول الإفريقية، وفى ظل انتشار تحديات أخرى من صراعات وضعف البنية التحتية والأمن، ومع تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية، بالإضافة إلى موجة التضخم العالمية وارتفاع أسعار البناء وتأثير ذلك على سلاسل الإمداد عالميا، يأتى السؤال: كيف ستتعامل القارة الإفريقية مع هذه الأزمة الاقتصادية التى لا شك سيكون لها تأثير كبير فى قضايا السياسة والأمن والاقتصاد بالقارة؟ هذا السؤال كان المحور الأساسى الذى دار النقاش حوله خلال فعاليات مؤتمر طوكيو الدولى للتنمية فى إفريقيا «تيكاد8»، الذى عقد هذا الأسبوع فى العاصمة التونسية، بمشاركة 66 وفدًا من دول إفريقية واليابان ومنظمات إقليمية ودولية، و20 شخصية ما بين رؤساء دول ورؤساء حكومات ومنظمات دولية وإقليمية، حيث تناولت القمة أولويات التنمية فى إفريقيا ما بعد جائحة كورونا. وفى هذا السياق، اعتبر الرئيس التونسى قيس سعيد قمة تيكاد8، بأنها فرصة لكى تنظر دول الاتحاد الإفريقى فى أسباب الفقر والبؤس وعدم نجاح هذه الدول فى تغيير أوضاع القارة، فى الوقت الذى أعلن فيه رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا فى كلمته، إن اليابان عازمة على التنمية فى إفريقيا وتتعهد بتقديم 30 مليار دولار كمساعدات للتنمية فى إفريقيا.
رؤية مصرية
فى هذا الإطار قدمت مصر رؤية شاملة للنهوض بأوضاع القارة الإفريقية فى ظل التحديات التى تواجهها دول القارة، وعدد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، فى الكلمة التى ألقاها نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى بقمة تيكاد 8، مجموعة من المحاور التى تستلزم التنسيق المشترك لتحقيق التنمية المستدامة فى القارة الإفريقية. وقال إن القمة تنعقد فى ظل ظروف استثنائية فرضتها التحديات الدولية الراهنة، وأنه لا يخفى على أحد أن وقع تلك التحديات أشد وطأة وأكثر فتكا على الدول النامية، وعلى رأسها دولنا الإفريقية، وقدم مدبولى مجموعة من المحاور التى يمكن أن تساعد القارة الإفريقية لتجاوز التحديات الاقتصادية التى تواجهها.
1 - تحقيق الأمن الغذائى
المحور الأول فى كلمة مصر للتعامل مع التحديات الراهنة فى القارة الإفريقية، هو سبل تحقيق الأمن الغذائى للقارة، وذلك بالعمل على مسارات متعددة، أهمها تنويع مصادر واردات الغذاء، وتأمين سلاسل الإمداد لدول القارة، بما فى ذلك السيطرة على ارتفاع الأسعار. هذا بجانب العمل على ضرورة التنسيق المشترك من أجل النهوض بالسياسات الوطنية الزراعية الإفريقية، والتوسع فى الزراعة واستصلاح الأراضى الصالحة للزراعة والاستفادة من قدرات الدول الإفريقية فى الزراعة، وذلك سعيا للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى، خصوصا فى ظل التأثير المباشر للأزمة الغذائية على أوضاع السلم والأمن فى إفريقيا، وهو الأمر الذى يستدعى دعم الدول الإفريقية، عبر تقديم حزم تحفيزية لاقتصاداتها.
2 - تخفيف أعباء ديون الدول الإفريقية
المحور الثانى الذى تحدث عنه رئيس الوزراء فى كلمة مصر أمام قمة تيكاد الثامنة، هو أزمة الديون الإفريقية، خصوصا أن التداعيات الاقتصادية العالمية ساهمت فى رفع قيمة ديون الدول الإفريقية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وسعر الدولار. وفى هذا الإطار طالبت مصر بضرورة إيلاء أولوية خاصة لتخفيف أعباء الديون عن كاهل دول القارة خاصة فى ظل ما نواجهه من تحديات دولية قاسية، من خلال التركيز على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك فى اطار خطة عمل «يوكوهاما»، التى دشنها الرئيس عبدالفتاح السيسى مع أخيه الراحل «شينزو آبي» عام 2019. ولعل أزمة الديون فى إفريقيا كانت محل نقاش خلال قمة تيكاد الثامنة، حيث طالب الرئيس التونسى بضرورة تخفيف أعباء الديون عن القارة الإفريقية.. ونظرا لحجم التحدى الذى تمثله تلك القضية، بادرت الصين منتصف شهر أغسطس بإلغاء بعض مستحقاتها من الديون على 17 دولة إفريقية، بحسب ما أعلن وزير الخارجية الصينى وانغ يى فى خطاب ألقاه أمام وزراء وممثلين عن دول إفريقية خلال منتدى التعاون الصينى الإفريقى.
3 - تفعيل منطقة التجارة الحرة
المحور الثالث الذى تحدثت عنه الدولة المصرية، هو سبل تعزيز التجارة البينية على مستوى القارة الإفريقية، من خلال العمل على تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، باعتبارها حجر الزاوية فى الوصول إلى التكامل الاقتصادى المنشود بقارتنا الإفريقية؛ سعيًا لتحسين مناخ الاستثمار والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وذلك إيمان الدولة المصرية بأهمية تكامل العمل الإقليمى والقارى لدعم الجهود الوطنية القائمة لتنفيذ أهداف «أجندة 2063» سعيا للوصول إلى مرحلة التكامل الاقتصادى واستدامة السلام وتحقيق تطلعات دول القارة. ولعبت مصر دورا مؤثرا لتوقيع الدول الإفريقية على اتفاقية منطقة التجارة الحرة، خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى عام 2019، حيث تم اعتماد الاتفاقية ودخولها حيز التنفيذ، وتستهدف الدولة المصرية العمل على تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية، التى يمكن أن تعزز التجارة البينية الإفريقية بنحو 33٪ وتخفض العجز التجارى فى القارة بنسبة 51٪.
4 - تأثير التغيرات المناخية
المحور الرابع، الذى تحدث عنه رئيس الوزراء فى كلمة مصر أمام قمة التيكاد الثامنة، هو قضية تغير المناخ وتداعياتها على القارة الإفريقية، باعتبارها من القضايا الحيوية المهمة التى تتطلب تكاتفا دوليا، ذلك أن مصر تسعى خلال رئاستها لمؤتمر الدول أطراف اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية للتغير المناخى (COP27) الذى ستستضيفه مدينة شرم الشيخ فى نوفمبر المقبل، لإعادة توجيه دفة المناقشات الدولية لصالح تفعيل مبدأ المسئولية المشتركة، وتعزيز جهود التكيف والتخفيف من حدة الآثار المناخية، وزيادة التمويل الدولى المتاح لدولنا الإفريقية، ونتطلع لمشاركتكم جميعا فى هذا المحفل الدولى. وأشار رئيس الوزراء إلى أنه سيتم التركيز على أجندة التعافى الأخضر والانتقال العادل لتعزيز قدرة إفريقيا على الصمود أمام القضايا المرتبطة بتغير المناخ.
5 - تعزيز السلم الإفريقى ومواجهة الصراعات
من القضايا المهمة التى تناولتها كلمة مصر فى قمة التيكاد الثامنة، هو ملف الأمن والاستقرار بالدول الإفريقية، حيث أشار رئيس الوزراء إلى أن التنمية الاقتصادية الحقيقية تستدعى تعزيز مناخ السلم والأمن داخل القارة الإفريقية، واعتماد مقاربة شاملة تحول دون العودة للصراعات. وقال رئيس الوزراء أن مسألة إعادة الإعمار والتنمية تحتل أولوية قصوى لدى القيادة السياسية المصرية؛ إذ يتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى ريادة هذا الملف المهم على المستوى القارى، إيمانا بأن استدامة السلام ومنع تجدد النزاعات المسلحة لن يتحققا دون توحيد كافة الجهود الدولية والقارية والوطنية، لتدعيم الدول الخارجة من النزاعات المسلحة. وأضاف مدبولى: ستعمل مصر من خلال استضافتها لمركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية على التواصل مع الشركاء الدوليين والإقليميين، لدعم خطط دول القارة فى هذا المسار لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.