«مايهمنيش أموت دلوقتى، ولا يهمنى أموت بعد 100 سنة، يهمنى لما أموت أفضل محافظ على مكانتى»، جملة قالها النجم أحمد زكى بمشهد من آخر أفلامه «حليم» 2006، عرض بعد رحيله بعام فشعرنا أن تلك الجملة المحملة بالشجن والمعطرة بصدق المشاعر، خرجت عن كونها جملة بسيناريو فيلم، قد تكون وصيته لنا كجمهور وكمتخصصين أن نظل محافظين على مكانته وتاريخه وأرثه الفنى، فهذا حقه هو نجم سابق لعصره، لم يقدم فنه لزمنه، بل لكل الأزمنة، وتجربته صنعت فارق فى السينما المصرية. وعملا بوصيه أحمد زكى (27 نوفمبر 1946-27 مارس 2005) التى جاءت على لسان «حليم» نحتفى بمرور 17 عاما على رحيله من زوايا غير تقليدية لنجوميتة رؤية نقدية وتحليلية كشف عن قيمته الفنية واهميه مسيرته الناقد السينمائى الكاتب «أسامة عبدالفتاح» وكتابه بعنوان «أحمد زكى.. حكاية رجل مهم»، الصادر عن دار الفاروق للاستثمارات الثقافية 2022. نوه أن كتابه ليس بحثا أكاديميا، بل رؤية نقدية حرة خاصة لا تلتزم بمنهج بعينه ولا يتضمن الكتاب تحليلا لجميع أعماله، بل تحليل المسيرة نفسها، لم يرتكز على حياته الشخصية إلا فى مراحلها المؤثرة بشكل مباشر على مشواره الفنى واختياراته واستشهد باعترافات لأحمد زكى قالها ببرامج تليفزيونية، بآراء سينمائيين تصريحات كتبت خصيصا للكتاب من بينهما محمود حميدة ومجدى أحمد على وسعيد الشيمى وآخرون. يضم الكتاب ثلاثة أقسام: الأول «مسيرة مذهلة»، ويشمل 14 فصلاً، الثانى: «شخصية فريدة «ومقسم إلى 6 فصول رصد لسنوات اليتم وتأثيرها فى مكون شخصيته، والثالث: فيلموغرافيا عن أعماله التى تحقق منها الكاتب بنفسه. الفتى الأسمر.. لية، ماهى القيمة الفعلية لموهبة لأحمد زكى، ماهو دوره الحقيقى فى الفن المصرى بشكل عام، والسينما المصرية بشكل خاص، ولماذا ندرس مسيرته، ولماذا نعتبره فنان مهما؟ وكيف يؤدى، وإلى أى مدرسة ينتمى، هل مدرسة تلقائية تخصه، وهل يتقمص ام لا، وتساؤلات آخرى، طرحها الكاتب وأجاب عنها نقديا وموضوعيا وبالاقتراب المهنى من عالم موهبته. التنمر صنع قوته يعد زكى نموذجاً عصامياً مصرياً وعربياً فريداً للنجاح والتحقق، خاض معارك وانتصر فيها بالمثابرة وبالعمل والاجتهاد الشخصى، دون واسطة أو شللية أو محسوبية، مخلصا لفنه وموهبته، صعد للقمة بصعوبة شديدة بذل فى سبيل ذلك العرق والدم والدموع، وليس مبالغة فقد بكى كثيراً فى أول المشوار تحت وطأة العداء والظلم والتمر على لون بشرته وشعره الأكرت. عاش زكى أجواء عدائية، أفلام استبعد منها فأصيب بحالة إحباط وحزن شديد من ضياع الفرص، صدمات متتالية كانت كفيلة بقتله، إلا أنه استمر وكافح حتى حقق ما أراد، بل ووجه الشكر للمنتجين ممدوح الليثى وحسين الصباح ومن رفضوه لأنهم ساعدوا على اكتشاف مدى حبه للفن. الفيلمان هما الكرنك1975، والحريف 1983 روى زكى فى أحد البرامج أنه تم ترشحه للدور البطولة بفيلم «الكرنك» بعد أن شاهدوا بمسرحية «مدرسة المشاغبين»، ودوره فى «أبناء الصمت»، وقالوا إن هذا الفنان الأنسب لدور طالب الحقوق بمواصفات ذكرها نجيب محفوظ بروايته. وتحمس وحفظ سيناريو الفيلم كاملاً كعادته يحفظ كل الأدوار، وقبل يوم واحد من بدء التصوير أخبره المنتج بان «الصباح» موزع الفيلم رفضه، ويرى أنه لا يصلح أن يكون حبيباً لسندريلا، لأنه أسود البشرة وشعره مجعد. سببت هذه الخسارة ضياع فرص وفسخ عقود 3 أفلام. والواقعة الثانية بعد أن اتفق زكى على بطولة فيلم «الحريف» اختلف مع المخرج محمد خان على تفاصيل خاصة فى الشخصية، منها طول الشعر، واحتد الخلاف بينهما، وذهب الدور للنجم عادل إمام، وبشهادة المصور السينمائى سعيد الشيمى مصور فيلم الحريف أن زكى حين اطلع على صور الفيلم خبط رأسه فى الحائط ندما على عدم مشاركته. ومع كل هذا قدم زكى المقدمة الصوتية للفيلم الحريف. فتى الشاشة الأول كسر نمط فتى الشاشة الأول التى رسختها السينما منذ نشأتها وحتى أواخر السبعينيات، مع طلة زكى بفيلم «اسكندرية.. لية» للمخرج يوسف شاهين جسد دور الحبيب الأسمر للجميلة نجلاء فتحى، فكان وسيما بطريقته، وجذابا بطريقته وبشروطه أيضا، كسر الصورة التى اعتمدت عليها السينما من ناحية الوسامة والوجاهة، والقوام الممشوق، والشعر الناعم المصفف، وأيضا كسر قواعد رسم وبناء شخصيات الأبطال فى الأفلام السينمائية، وأصبح على يديه وأبناء جيله أقرب إلى ملامح وسمات البشر العاديين. لذا فإن أفلام تيار الثمانينيات والذى اتفق على مسمى الواقعية الجديدة الذى يتحفظ عليه الكاتب مع اتفاقة التام مع غيره أنها مدرسة إخراجية لتصوير الوطن والمواطنين بدون تجميل، ويحسب لأحمد زكى إنه قاد تيار الثمانينيات ووفر للمخرجين والمؤلفين الوجه المعبر عنهم، ويقول عنه الفنان محمود حميدة أن زكى نقل فن التمثيل فى السينما المصرية إلى مستوى ابعد كثيرا مما كان عليه قبل ظهوره». المسرح والتليفزيون شارك بالتمثيل فى 6 مسرحيات ظهر كواحد من المجاميع بمسرحية «القاهرة فى ألف عام» 1969، وحقق نجاحا أسطوريا وشهرة بثلاث مسرحيات «هاللو شلبي» 1970 و «مدرسة المشاغبين» 1973 وبعد 6 سنوات «العيال كبرت» 1979. رغم ماحققه إلا أنه كان يعتبر هذه الأعمال مجرد إشارة لوجوده كممثل لكنها لم تلقيا الضوء على حجم موهبته الفعلية، عملا عشر سنوات من 1975 الى1985 قدم فيها 17 مسلسلا تليفزيونيا من بينها أعمال درامية مأخوذة من نصوص أدبية، و5 مسلسلات إذاعية. إنجاز ثلاثة عقود السينما هى العالم المفضل لأحمد زكى، ومنجزه الإبداعى هو الجزء الأكبر الأطول والاهم من مسيرته الفنية، وقف أمام كاميرا السينما ثلاثة عقود من 1972 حتى وفاته 2005. علما بأن آخر أفلامه «حليم» عرض فى 2006 فى العام الثانى لرحيله. طلته الأولى كانت فيلم «ولدى» 1972 للمخرج نادر جلال، وضع أول مرة اسمه على شريط سينمائى بوصفه «الوجه الجديد». ويرى الكاتب أنه لو بعبارات تقليدية قد نقول إن نادر جلال اكتشفه، لكن لا أحد يعرف البداية الحقيقة من وجهة نظر أحمد زكى نفسه. أقاويل وحكايات عديدة من السينمائين يؤكد كل منهم أنها منحة فرصته للانطلاق. شارك بالتشخيص فى 58 فيلما روائيا طويلا عرضت تجاريا بدور العرض للجمهور، أما الفيلم التليفزيونى «أنا لا أكذب ولكنى أتجمل» 1981، لم يعرض تجاريا لذلك لم يضمه الكاتب للفيلموجرافيا الأفلام، بل وضعه بخانة الأفلام التليفزيونية ويحسب لمسيرة التشخيص لأنه مصنوع بتقنيات السينما وعلامة فارقة فى مسيرته، وبذلك يكون إجمالى أعماله 59 فيلما. الثمانينيات.. السينما الواقعية شهدت الثمانينيات ذروة تألقه وتوهجه وانتشاره من حيث الكم والكيف قدم خلالها مجموعة ليس فقط من أفضل أفلامه، بل من أهم أعمال السينما المصرية. قدم فى الثمانينيات 27 فيلما، والتسعينيات 19 فيلم، فى الألفية الثالثة قدم أربعة أفلام. أما فى السبعينيات كان لا يتمتع بحرية الاختيار وكان يقبل المتاح من أجل التواجد أو الانتشار. قدم 9 أفلام فقط منها مع المخرج محمد راضى أربعة أفلام من 1974 إلى 1987 أدوار مساعدة أهم وأكثر تأثيرًا مثل: أبناء الصمت، صانع النجوم، وراء الشمس، العمر لحظة. تناول الكاتب بالرصد والتحليل النقدى الدقيق المطول تفصيلا تأثير تعاونه مع المدارس الفنية الإخراجية واستيعابها ومرونته وقابلته للعمل مع مختلف المدارس، كشف عن قدرته الغير العادية على التنوع وتقديم مختلف الألوان والنوعيات السينمائية بنفس الإتقان والتمكن، القدرة الاستثنائية فى التجسيد والتقمص لوصوله إلى أفضل النتائج. تولى 30 مخرجا سينمائيا لإخراجه أفلامه ال 59 أرجع الكاتب المجد فى مشواره أولا لمخرجى تيار السينما المصرية الجديدة، قدم 14 فيلما مع رواد الثمانينيات، محمد خان 6 أفلام، وعاطف الطيب 5 أفلام، وخيرى بشارة3 أفلام، ومن المخرجين ما يمكن وصفهم بال «مفضلين» لديه أو المفضلين لديهم، فقدم مع كل منهم 3 أفلام فأكثر، وعددهم ثمانية مخرجين شارك تحت ادراتهم فى 31 فيلما، بينما قدم الأفلام الأخرى ال 28 المتبقية مع 22 مخرجا. وأيضا المخرج على بدرخان قدم أربعة أفلام، ومع المخرج على عبدالخالق تجربة متميزة وتجسيد شخصيات متنوعة3 أفلام: شادر السمك، أربعة فى مهمة رسمية، البيضة والحجر، ونادر جلال أول طلته «ولدى»، ويليه بدور، وانقطع التعاون وعاد إليه بعد 23 عاما فى فيلم «حسن اللول»، وشريف عرفة قدم معه 3 أفلام من بينهما آخر أفلامه «حليم» 2006، داود عبد السيد وسمير سيف فيلما واحد لكل منهما، وعدد آخر من المخرجين الكبار. التسعينيات... الواقعية السحرية التسعينيات وصفها الكاتب أنها مرحلة خلع عباءة «الواقعية» التى سيطرت علي الثمانينيات، الهروب من الواقع واللجوء إلى السينما الذهنية التى تقوم أغلبها على أعمال أدبية وعلى ما تسمية «الواقعية السحرية» المزج بين الواقع الحقيقى والخيال السحرى مزجا جعل الخيال اعتياديا. قدم زكى أربعة أفلام عرضت فى عام واحد 1990 حققت جماهيرية هما: الإمبراطور، البيضة والحجر، امرأة واحدة لاتكفى كابوريا للمخرج خيرى بشارة، تلك الفيلم الذى قلده الشباب فى قصة الشعر. ويليهم أفلام 1991 أفلام جماهيرية متنوع الأداء والشخصيات هما: الهروب، الراعى والنساء، وأفلام صنعت بروح الثمانيات: ضد الحكومة، مستر كاراتيه. وأفلام غازلت الجمهور وحققت أرباح عرضت ما بين 1994 إلى 1997سواق الهانم، الرجل الثالث، نزوة، استاكوزا، أبو الدهب، حسن اللول. وتجارب مهمة ومختلفة «ناصر 56» عام 1996، والباشا 1993. ابتعد زكى عن ركوب الموجة الجديدة التى أعقبت انفجار فيلم «إسماعيلية رايح جاى قدم ثلاثة أفلام عرضوا 1998 وهما: البطل، هيستريا، واضحك الصورة تطلع حلوة. رغم أن هذه الأفلام لم تحقق إيرادات بمقاييس الفترة وقتها إلا أنه بقيت فى الذاكرة. وفيلم «الصورة تطلع حلوة» للمخرج شريف عرفة وقيامه لأول مرة بدور الأب جسده بما لديه من عصارة موهبته وخبرته الطويلة ليحوله إلى أيقونة لا تنسى. الألفية الثالثة العقد الأول من الألفية الثالثة يصفها الكاتب هو استمرار طوفان الهزل فى السينما المصرية حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، فى المقابل استمر زكى بتقديم التجارب الجادة بلقاء المتأخر مع المخرج الكبير داود عبد السيد فيلم «أرض الخوف» الذى ينتمى إلى الواقعية السحرية. استمر زكى المغامرة بخوضه تجربة الإنتاج السينمائى بفيلم لا يضمن أبدا النجاح التجارى أيام السادات 2001. خلال فترة دراسته بالمعهد الفنون المسرحية تمنى تجسيد شخصيات عامة هما جمال عبدالناصر، السادات، العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وحقق حلمه بتجسيد هؤلاء كانت البداية «الأيام» شخصية طه حسين. حكاية رجل مهم
ذكر الكاتب أنه لو فى فيلم لابد أن نقترب فيه من أداء زكى ونرصد كيفية اقترابه من الشخصية وتجسيده لها ونتابع تطور أفعاله، ردود أفعاله، وانفعالاته الخاصة بتلك الشخصية البداية إلى النهاية. فسيكون «زوجة رجل مهم» 1988 سيناريو رءوف توفيق وأخرجه محمد خان مدير التصوير محسن أحمد. شخصية الضابط المصاب بهوس السلطة بالجبروت والعنجهية وصولا بحالة الانكسار والهزيمة، يرى الكاتب أن السينما المصرية؛ لو لم تصنع سوى هذا الفيلم لكفاها رغم أنتجها لأفلام شديدة الأهمية. الفيلم نموذج للرسم الجيد والصحيح للشخصيات وصياغة أزماتها وتحولاتها بشكل درامى سليم. كما أن نموذج للبناء الدرامى المتماسك، تحكمه فى مستويات صوته وتلونة بما يحقق المطلوب وتطويع لغة جسده محافظا على عنجهيتها إلى لحظة سقوطه وخلع قناعه بكشف وجهه الحقيقى، ظل زكى ممسك بخيوط الشخصية باقتدار ولغة جسده لتعبير عن تحولات الشخصية إزاء ما يمر بها من مواقف، تعبيرات ملامحه، حمره عينه وكسرها، ومستويات طبقات صوته تأثرت بصدمته وبخروجه من الخدمة اخترع طبقة الصوت المبحوحة ب «شرخ» بصوته إشارة للضعف وتعد رمز لعيوب وتشوهات وانهيار الشخصية الجبارة. ومع ذلك ظل محتفظ بشكله وأناقته ونظاراته الشمسية التى يتخفى وراءها، وهنا الصعوبة وجود مستويين من التشخيص الصراع مع نفسه والآخرين. توقف الكاتب عند العديد من مشاهد الفيلم وتناولها بالتحليل منها مثلا: فى الدقيقة 45 ذورة الصراع الدرامى يبدأ عام 1977 الذى يشهد حدثين يغيران حياة كل من البطلين إلى الأبد هما انتفاضة 18,19 يناير التى أدت إلى إحالته على المعاش المبكر، ونهاية حياته عمليا، والأمر الثانى رحيل عبد الحليم حافظ 30 مارس والذى يعنى ضمنيا نهاية الحياة كما تعرفها وتحبها «منى» ميرفت أمين. ومشهد المرايا أهم وأعنف انفعال حين يكسرالمرآه ويوجه نفسه لأول مرة ويكتشف كم مشوه ربما إلى الدرجة التى ترمى بداخله بذرة الكراهية لذاته، وقد تكون هذه اللقطة قادته ليحكم على نفسه بالموت فى النهاية. وفى الدرامى المشهد الأخير يستعيد مظهره الخارجى وغروره ويمسك مسدسه ويقتل والد منى الذى جاء ليأخذ منى آخر ما يمتلكه، وتراجع عن قتل منى بقتل نفسه وتركها للحياة. مع السندريلا تعاون مع 30 ممثلة تقربيا وهو نفس عدد المخرجين، وليس فى مسيرته «دويتو» أو ثنائى ثابت بالمعنى المتعارف علية، حتى لو قدم معهن 6 أفلام مثل الفنانة يسرا، وسبع ممثلات لكل منهن 3 أفلام وهما: مديحة كامل، نبيلة عبيد، نجلاء فتحى، آثار الحكيم، ميرفت أمين، ليلى علوى، منى زكى. وتظل تجربته مع لسندريلا شديدة الخصوصية هما ليس ثنائى بل لان عملهما معا هو التقاء موهبتين استثنائيتين فى تاريخ السينما المصرية. جمعتهما 4 أفلام: شفيقة ومتولى، موعد على العشاء، الدرجة الثالثة، الراعى والنساء، ومسلسلا حكايات هو وهى». 224939168_550597605978439_3849114474804105714_n 41682-أحمد-زكى-وسعاد-حسنى received_1549671585199494 _640x_91ce7eded250fd4965c812b739e257675c69c48ed70714c41f4c1c4f43d5e164_(1) البيضة_والحجر