فى أحداث التخريب «ينايرعام 2011» التى وقفت خلفها الجماعة الإرهابية، بهدف زعزعة الأمن فى الشارع المصري، وسرقة ملفاتهم السوداء، وخروج ذويهم من مراكز الشرطة، دافع رجال الداخلية عن المواقع الشرطية، وحموا الأهالى من هجمات هؤلاء المجرمين عليهم. أما البداية كانت موقعة الإسماعيلية التى مر على حدوثها 70 عامًا، حيث رفض رجال الشرطة المصرية تسليم مبنى المحافظة لقوات الاحتلال ودافعوا عنها، حتى نكس الأسد الإنجليزى العجوز رأسه وأعطى رجاله التحية لرجال الداخلية. بالرغم من مرور 70عامًا على موقعة الإسماعيلية، التى جرت أحداثها فى 25 يناير 1952، ولا تزال ذاكرة التاريخ، تحتفظ بالبطولة والشجاعة النادرة، التى قاوم بها رجال الشرطة فى الإسماعيلية الاحتلال البريطاني، ورفضوا الاستسلام وتنفيذ أوامر المحتل بإخلاء المحافظة، لتتخذ الشرطة من هذا اليوم المضيء فى تاريخها يومًا لعيدها. المقاومة المصرية للاحتلال الإنجليزى كانت مصر خلال هذه الفترة، تنبض بالثورة والغليان، للتخلص من المحتل الإنجليزي، الذى اتخذت قواته من مدن القناة مركزًا لتمركزها وتواجدها بالمنطقة، أمام ذلك توسعت المقاومة المصرية لطرد المحتل، وكبّدت قواتهم خسائر فادحة، وانسحب العمال المصريون من العمل فى المعسكرات الإنجليزية، وامتنع متعهدو الخضراوات والفاكهة، عن توريد المستلزمات الضرورية لإعاشة 80 ألف جندى وضابط بريطانى. شعر الأسد الإنجليزى العجوز بالإهانة والحرج، من الطريقة التى تعامل بها الشعب المصري، الذى كان يسعى لنيل حريته واستقلاله، وزاد من صعوبة الموقف، وصول أعداد المتطوعين لمقاومة الاحتلال البريطاني، الذى فتحت الحكومة المصرية، مكاتب لتسجيل أسمائهم، ل«91572» خلال الفترة من 16 أكتوبر 1951 وحتى 30 من نوفمبر 1951. بالرغم من ما تملكه القوات الإنجليزية، من أسلحة متطورة فى هذا العصر، إلا أن نيران المقاومة وشجاعة الفدائيين، أحرقت قلوب بريطانيا على أولادها، الذين كانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر، أمام مقاومة باسلة، أقسمت على تحرير الأرض من المحتل. أمام قوة المقاومة المصرية وبسالتها، استدعى القائد البريطانى «البر يجادير أكسهام»، ضابط الاتصال المصري، فى صباح 25 يناير 1952، وسلمه إنذارًا شديد اللهجة، طالبه فيه بتسليم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية، أسلحتها للقوات البريطانية، وتنسحب من دار المحافظة والثكنات التى تتمركز بها، ومنطقة القناة بكاملها للقاهرة، بسبب أن المحافظة تحولت لبؤرة مقاومة واختفاء، للفدائيين المصريين ضد القوات الإنجليزية بمنطقة القناة. أمام هذا الإنذار المتعجرف، الذى يهدف للضغط على الحكومة والشعب المصري، رفضت المحافظة تهديدات القوات الإنجليزية، التى كانت تحاصرها بأعداد كبيرة، وأبلغته إلى وزير الداخلية وقتها فؤاد سراج الدين باشا، الذى أقر موقف المحافظة، وطلب من رجال الشرطة الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام، وحتى نفاد آخر طلقة. رجال الشرطة يصنعون تاريخًا مشرفًا فى هذا اليوم كتب رجال الشرطة أسماءهم بالدم، فى سجلات البطولات والشرف، بعد أن فقد القائد البريطانى أعصابه، وتحركت القوات الإنجليزية، التى يصل عددها إلى سبعة آلاف جندي، مزودين بالأسلحة، تدعمهم دباباتهم «السنتوريون» الثقيلة وعرباتهم المصفحة ومدافع الميدان، لتطويق قسم الشرطة الصغير بجوار المحافظة. وأعطت القوات البريطانية إنذارًا أخيرًا لمأمور الشرطة وقواته، الذى لا يزيد عددهم على ثمانمائة فى الثكنات، وثمانين فى المحافظة، لا يحملون سوى البنادق العادية، أمام ترسانة الأسلحة الإنجليزية، التى وجهت أسلحتها للجنود المحاصرين، لمدة ساعة كاملة لم تتوقف عن القصف. دارت معركة حامية، بين الضباط والجنود المحاصرين، وبين القوات البريطانية، التى استخدمت كل أسلحتها فى معركة غير متكافئة، لا فى التعداد ولا العداد، المثير للدهشة، أنه بعد أن تهدمت جدران المحافظة، وسالت دماء الشهداء، أمر الجنرال «أكسهام» بوقف الضرب، ليعطى لرجال الشرطة إنذاره الأخير، بالتسليم والخروج رافعى الأيدي، دون أسلحتهم، وإلا سيتم استئناف الضرب بأقصى قوة. وجاء الرد على إنذار القائد الانجليزي، من ضابط شاب صغير الرتبة، وهو النقيب مصطفى رفعت، الذى صرخ فى وجهه فى شجاعة وثبات قائلاً: «لن تتسلموا منا إلا جثثنا هامدة»، لتشعل هذه الجملة حماس المحاصرين، ويستأنف البريطانيون المذبحة، ليتحول المبنى لأنقاض تتناثر حوله أشلاء الشهداء من رجال الشرطة. وبعد مقاومة شرسة، سقط فى المعركة 50 شهيدًا و80 جريحًا من الشرطة، تمكنوا من قتل 13 من القوات البريطانية، و12 جريحًا. وأسرت القوات البريطانية المهاجمة من تبقى من رجال الشرطة، على رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف، الذى لم يفرج عنه إلا فى فبراير 1952. أمام بسالة قوات الشرطة المصرية، أمر الجنرال «أكسهام» جنوده بإعطاء التحية العسكرية، للقوات المتبقية من رجال الشرطة، قائلاً: «لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف، واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعًا ضباطًا وجنودًا». لم تكتف القوات البريطانية بهذه المجزرة، بل قامت بتدمير بعض القرى حول الإسماعيلية، بحثًا عن الفدائيين المصريين، وقتلت أثناء هذه الهجمات بعض المدنيين، وألقت القبض على البعض الآخر. وصلت العلاقات بين الحكومة المصرية والمحتل الإنجليزي، لقمة التوتر بعد هذه المجزرة، واشتدت الأعمال الفدائية ضد المعسكرات الإنجليزية، وخرجت مظاهرات عارمة فى القاهرة ومصر كلها، بعد تلقى أنباء هذه المعركة التى سطرت أسماء رجال الشرطة بحروف من نور فى التاريخ، وأصبح يوم 25 يناير هو اليوم الذى تحتفل به الشرطة بعيدها.