من المؤكد أن حياة الإنسان في الدنيا محدودة وتنتهي حين يحين الأجل المحتوم، فلا فكاك ولا هروب ولكن أكثر الناس يغفلون عن هذه الحقيقة المؤكدة، مع أن الموت يحيط بهم من كل جانب، فتري بعضهم يمضي في الحياة سادرا في غيه يملؤه الكبر والغطرسة والعظمة والشعور المتضخم بالذات ويتعالي علوا شديدا علي بقية الخلق، وينظر إليهم كأنهم مجرد أدوات أو عبيد قد سُخروا لخدمته هو ولا أحد غيره.. إن النفس الأمارة بالسوء إلا من رحم ربي.. هذه النفس التي تسول لهذا النوع من البشر غواية الدنيا الكبري وبالذات جمع المال والثروة الفاحشة، دونما هدف محدد سوي الجمع في حد ذاته كالبخلاء، وبعد رحلة طالت أم قصرت يترك كل شيء وراءه، لورثته يتمتعون به دون أن يتعبوا في الحصول عليه، وقد يبعثرونه فيما لا يفيد، مع أنه هو الذي سيحاسب، من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟.. ولكنه بالتأكيد لن يُسأل كم جمع وما مقداره، لأنه معلوم بالضرورة، قد سجله عليه الملائكة من كل رقيب عتيد.. وهذا النوع من البشر لو عاد إلي الدنيا بعد الموت، وهذا محال إلا بأمر الله تعالي، لأدرك تماما أن ما كان يجري وراءه في الدنيا ليلا ونهارا، وبما قد يجلبه عليه هذا السعي المحموم من هموم وقلق وغم وحزن، إنما كان سعيا باطلا عبثيا.. إن المال له وظيفة محددة في الحياة، هذه الوظيفة التي تكفيه وتسد كل حاجاته وحاجات من حوله، بقصد مشروع كسبا وانفاقا.. وأما ما زاد عن الحاجة، فإن للناس والمجتمع حقا فيه لا مناص ولا مهرب منه.. فالغني أو الموسر أو الثري إذا لم يقدم للفقير أو المسكين أو صاحب الحاجة ما يسد حاجاته لعجزه عن الكسب لسبب أو آخر، فإنه يخالف بذلك سنن الحياة التي تحض، علي العطاء والبذل والكرم والأريحية، من المال الذي وهبهم الله تعالي إياه.. وهو من رزق الوهاب الرزاق الذي لا ينفد قط.. ولكن الشيطان المكير قلما يترك هؤلاء البخلاء بما كسبوا ولكنه يزين لهم الاستحواذ علي المزيد من أي طريق، وتكديسه في البنوك والخزائن الحديدية.. ضاربين عرض الحائط بما يجب أن يساهموا به في إعانة الفقراء وخدمة المجتمع.. وينسون.. وأما بنعمة ربك فحدث.. إن من بين الحديث عن النعمة المبادرة والمسارعة إلي مساعدة الفقير والمسكين واليتيم والأرملة والمريض وغيرهم من ذوي الحاجات.. لأن المال هو مال الله تعالي، وهو عطاء للأغنياء لكي يحسنوا علي الفقراء وكل من احتاج العون.. وبذلك تتحقق العدالة الاجتماعية بين الناس، ويصبح المجتمع هو المجتمع الفاضل الراقي في الحس والأخلاق.. إننا نعجب أشد العجب من الأخبار التي تنقل إلينا من الخارج أن الأغنياء في أعتي المجتمعات الرأسمالية يتبرعون طواعية ومن تلقاء أنفسهم، ربما بنصف ثرواتهم من أجل ازدهار المجتمع ككل في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة.. ونعجب مما نراه عندنا وفي زمننا هذا العجيب من أصحاب الملايين والمليارات التي قدرها الله تعالي لهم، ربما ابتلاء أو فتنة فلا ينفقون منها إلا النذر اليسير علي أوجه الخير والبر، وربما علي مضض وكره شديد.. محاولين أن يكونوا.. أمام الناس.. من كبار المحسنين.. وهذا إحسان مرفوض.. لأنهم بذلك يكونون ممن قيل فيهم.. الذي ينفقون أموالهم رئاء الناس.. أو من أجل الشهرة والصيت، وبما فيه من من وأذي.. وإعلان فاضح كريه عما تبرعوا به، ويصورونه وينشرون صورهم مع الفقراء أو المرضي في صور مقيتة كريهة!! مع أن الانفاق في ستر وخفية واجب عليهم، مما رزقهم الله تعالي به، حتي يتم الحفاظ علي كرامة المحتاجين والفقراء والمرضي والمساكين وغيرهم.. إن مجتمعا يفتقد التراحم والمحبة والتواد، مجتمع تفرخ فيه بذور الكراهية والعداء!! فمتي نزرع الحب والمودة بين الناس؟! إن رضا الله تعالي أمل كبير، فيه كل الخير في الدنيا والآخرة.. دار الحساب والثواب أو العقاب، والخلود الأبدي.. فليت الأغنياء يتعلمون الدرس قبل أن تحل بهم وبدارهم المصائب والكوارث!! والخوف كل الخوف علي من يكنزون الذهب والفضة، وأوراق النقد التي تشتري الذهب والفضة.. فستكون عليهم وبالا وعذابا، وستكوي بها ظهورهم وجباههم وجلودهم في نار جهنم وبئس المصير، وخلودهم في الجحيم مطلقا.. يقول الله تعالي: «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا. من أهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخري وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا. وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا» «الإسراء 13 - 16» والله من راء المقصد.