قرأت مقالا للأستاذ «محمد يسري سلامة» وكان متحدثا باسم حزب النور.. دققت في التفاصيل التي ذكرها.. للحقيقة أنني لا أعرف الرجل.. لكنني بحكم المهنة والتعامل مع الحرف والكلمة علي مدي 36 سنة.. أستطيع التفريق بين الكلام الصادق الصادر عن أمين، والكلام الكاذب الذي يكتبه أو ينطق به تجار الكلام في سوق «روبابيكيا المواقف»!! الحكاية باختصار أن كاتب المقال تلقي مكالمة هاتفية، من رجل عسكري قدم نفسه خلالها بأنه تابع للشيخ «فلان».. والمفاجأة أنني كنت أسمع عن شيوخ تابعين لضباط.. أما حكاية الضابط الذي يتبع الشيخ «فلان»، فهي من عجائب مصر بعد ثورة 25 يناير.. وفيما يبدو أن متحدث حزب النور السابق رجل يعوم في بحر من النقاء.. لذلك هو يقول: «كنا حمقي وساذجين» ويقصد بها الوقت الذي كانت القوي السياسية تعمل علي الأرض بروح ميادين التحرير.. وكم تأثرت في مقاله بجملة قال فيها: «كانت الثورة لا تزال قوية».. أي أن الثورة بالحماقة والسذاجة – ظني أنه يقصد النقاء – كانت قوية.. وعندما تم فتح كتاب الحساب.. وأقصد الجمع والطرح في المواقف، أملا في حصد أكبر عدد من مقاعد المواقع.. أصاب الثورة الوهن والضعف، باعتبار أن الأذكياء – هم في الحقيقة أغبياء – تصدروا الواجهة. راجع الصفحات لعام مضي، لتتأكد من جملة حقائق، قابلة للمناقشة.. لكنها في النهاية ستصل بك إلي باب واحد.. هو باب الصفقات والاتفاقات السرية. الأستاذ «محمد يسري سلامة» متحدث حزب النور السابق قال في سطور مقاله: «رأيت معارضين يهتفون ضد العسكر في العلن، وينحنون أمامهم في الغرف المغلقة»!!.. وهذا ليس جديداً ولا غريباً علي الأحجار عندما يتم وضعها فوق رقعة الشطرنج!! فقبل أن يسقط رأس النظام السابق ونفر من كبار اللصوص حوله.. كان المعارضون أشكالا وألوانا.. منهم معارضين من السذج والحمقي – الانقياء – أمثال «محمد يسري سلامة».. وبينهم الذين يعارضون وفق قوانين لعبة صاغها «زكريا عزمي».. أو كتب نصوصها «صفوت الشريف».. وهناك لعبة تولي تأليف قوانينها «أحمد عز».. هذا غير لعبات أخري قام عليها عدد من القابعين خلف القضبان حاليا، وعدد آخر من الذين نأمل أن يلحقوا بهم في السجون.. وكانت هناك فصائل لمعارضين أذكياء يفهمون ما يدور حولهم، لذلك تعاملوا بهدوء شديد حرمهم من نجومية المعارضة، وحصنهم من ممارسة اللعبة القذرة.. وهم كانوا يحاولون التحايل علي محاولات الإيقاع بهم كمعارضين مزيفين أو كنزلاء في السجون إن صدقوا. اللعبة قديمة قدم معرفة دول المنطقة العربية للاستعمار.. فقد اخترعها «نابليون» عندما جاء ليغزو مصر.. استخدمها مع أهالي «بولاق أبو العلا».. فجعل الثوار ينقلبون علي زعيمهم الشيخ «مصطفي البشتيلي»، للحد الذي جعلهم يقتلونه ويحرقونه!!.. ثم تبلور ذلك السلوك فأصبح نظرية للاستعمار تأخذ عنوان «فرق تسد».. وتجلت في أقذر صورها.. وقت أن أدرك الاستعمار الفرنسي أنه سيخسر الجزائر.. هنا اخترع قادته ما يسمي ب«الحركيين».. وأولئك جزائريون خونة.. كان ولاؤهم للاستعمار دون إحساس بقيمة الوطن أو الاستقلال.. وعنهم يمكنك أن تقرأ عشرات الكتب والملفات، ولا يقدرهم سوي النظام الفرنسي منذ أن غادر الجزائر بعد اعترافه باستقلالها.. وحتي هذا اليوم. وفيما يبدو أن ثورة 25 يناير، ظهرت آفتها ومرضها السرطاني عند اللحظات الأولي لاندلاعها.. فقد ظهر بيننا «حركيين» لا علاقة لهم بالثورة أو الوطن.. لكنهم وهبوا أنفسهم لأعداء الثورة ولصوص الوطن.. بعضهم لعب مع الذين دخلوا السجون.. وبعضهم اختار اللعب مع من تنتظرهم السجون.. فيما أن الأغلبية تلعب مع الذين يحاولون قطع الطريق بين سيرتهم وتاريخهم مع السجون! مقال «محمد يسري سلامة» المتحدث السابق باسم حزب النور، يمكننا اعتباره نقطة مهمة بين حاضر مرتبك ومستقبل ننشده.. ولن أبالغ إذا قلت أن هذا المقال سيؤرخ به للثورة المصرية كعام الفيل!!.. فهذا هو الاعتراف الأول والواضح والصريح، الصادر عن سلفي يعوم وسط بحر من الوضوح – بالتأكيد هم يعتبرونه ساذجاً – ويمكنني أن أؤكد في ضوء قراءتي للتاريخ، أن عشرات سيظهرون ليعلنوا اعترافات رهيبة علي النهج ذاته.. فإذا كان الذين يمارسون السياسة تحت عباءة الدين, يعتقدون في أن طريقهم الذي اختاروه منذ قديم الأزل.. لن يختلف عن طريقهم عندما تمرسوا في عقد الصفقات.. لاسيما أن هذه الصفقات جعلتهم من وجهاء الأمة.. أي دفعت بهم إلي الواجهة كمسئولين ووزراء، وكانت البداية بركوب «المنصة»!!.. أعتقد انهم يمضون في طريق لا يعرفون نهايته.. فقد يسعدهم أن «العسكري» يقدم نفسه علي أنه من طرف «الشيخ» لكنهم سيكتشفون أن من ضحك أخيرا ضحك كثيرا.. فقد كان «العسكري» معجبا بالشيخ قبل ثورة 23 يوليو.. وعندما اعتقد الشيخ أن «العسكري» اقل منه قدرة علي قيادة الوطن.. ذهبنا إلي حيث نهاية تعلمها ما تسمي بجماعة الإخوان المسلمين.. ثم جاءت المباراة الثانية في عهد «أنور السادات»، وتكرر الخطأ ليدفع ثمنه «العسكري» والشيوخ.. وكم كان «المخلوع» رغم ما يتمتع به من بلاهة وسذاجة، أكثر خطورة علي «العسكري» والشيخ.. لأنه لعب بالجميع لحساب أطراف خارجية.. وعند ثورة 25 يناير عدنا للمربع رقم واحد.. أي أن اللعبة بين «العسكري» والشيخ بدأت من جديد، وفق معادلات مختلفة.. فمن سيكسب المباراة التي يرفض الشعب أن يترك لغيره صياغة قوانينها؟.. ففي الماضي كان «العسكري» والشيخ يلعبان, لعبة «عض الأصابع».. أما في الحاضر فالطرفان يلعبان بالنار.. التي يملك إخمادها «الشعب المصري الشقيق».. فهل تنجح محاولاته في إطفائها.. لتبقي شعلتها في يده يضيء بها المستقبل؟.. وهو يربكهم جميعا بما يفعل، فعندما يتوقعونه ساخنا يظهر أمامهم باردا.. ووقت أن يعتقدون أنه أصبح مثلجا تفاجئهم نيرانه الهادئة.. وذلك أزعج كل المراقبين – أجانب ومصريين – لأن ثورة 25 يناير سيبقي سرها صامتا في صدور المخلصين داخل هذا الوطن.. هذا سؤال يمكنك أن تطرحه علي نفسك.. وما لم تتمكن من الإجابة، احيلك إلي قراءة مقال «محمد يسري سلامة» المتحدث السابق باسم حزب النور.. ويبقي أن أخاطب «عزيزي السلفي المحترم».. فهو رقم جديد في المعادلة ويمكنه أن يقلبها علي نفسه.. وما لم يقع في هذا الخطأ فقد يقلبها علي أطراف تعلم بالضرورة قواعد لعبة قديمة يمارسونها منذ زمن!