د. محمد يسري سلامة يكتب: الحرائق الصغيرة د.محمد يسري سلامة عدت إلى المنزل بعد يومٍ طويل شاق لأجد صخبًا كبيرًا حول مقالٍ لي سبق نشره على موقع الدستور منذ فترة، ثم استأذنني أحد صحفيي جريدة البديل في إعادة نشره فأذنت له بذلك، وحاول الحصول على تفاصيل أكثر تتعلق بموضوع المقال فرفضت ذلك، لأن الهدف من المقال لم يكن النَّيل من أحدٍ أو الطعن فيه، بل التوعية والتبصير بما يحدث وما يُحاك لنا، وليس أشياء من نمط: (شخصية عسكرية حاولت تجنيدي) التي استخدمها (البديل) والتي أراها عبارة مبالغٌ فيها للغاية، لأن الهدف من المكالمة التي تلقيتها لم يكن قطعًا تجنيدي ولا شيئًا من هذا القبيل، بل إفشال العمل المشترك بين الفصائل السياسية المختلفة وإفساده كما وضَّحت في المقال. وكنت قد انشغلت طوال اليوم بالتنسيق والمتابعة مع شباب (سلفيي كوستا) لرغبتهم في زيارة قرية النهضة بالعامرية لاستطلاع الحقائق وبيان حقيقة ما جرى وما يجري هناك، وبالفعل زارها وفدٌ منهم يتكون من محمد طلبة وهاني أنطونيوس وأحمد سمير وأندرو عادل، وسينشرون تقريرهم ومشاهداتهم لاحقًا بإذن الله، وذلك بالتنسيق مع الشيخ شريف الهواري والنائبين أحمد خليل خير الله وأحمد الشريف وغيرهم من سلفيي العامرية وأقباطها على حدٍّ سواء، فالشكر لهم على هذه البادرة الطيبة المباركة. ثم توجهتُ إلى عزاء عمنا الأستاذ جلال عامر رحمه الله رحمةً واسعة، لأجد بعدها هذه الجلبة التي لم أكن أتوقعها. وبالطبع تألمت لما يحدث، ليس بسبب الشتائم التي انهالت وستنهال عليَّ كالسَّيْل، لأن هذا شيء تعودت عليه مع الأسف من جراء مواقفي قبل الثورة وأثناءها وبعدها، ولكن لأني وجدت أن كلامي يُستغل في غير محله، وفي غير الغرض الذي كتبته لأجله، وهو الخروج من حالة التشرذم والانقسام التي مزقتنا وأضعفت ثورتنا، والكف عن مساعدة أعداء الثورة وخصومها في تحقيق أهدافهم ولو كان ذلك بحسن نيةٍ أو من دون وعيٍ بحقائق الأمور. ولذلك أرجو من الجميع قراءة المقال مرةً أخرى، لأنه يبدو أن أحدًا لا يتعلم من الدروس. أما ما حدث فقد حدث بالفعل، ولم يكن السبب وراء تركي لموقعي في حزب النور، بل حلقةً في سلسلةٍ أدَّت إلى ذلك بقرارٍ من الطرفين ورغبة متبادلة بينهما. وأرى أن لهم كل الحق في ذلك، لأن المتحدث الرسمي باسم أي حزبٍ أو كيان سياسي يجب أن يكون صوتًا معبرًا عن سياسة الحزب وتوجهاته ومواقفه فقط لا غير، من دون أن يكون لمواقفه الشخصية وآرائه الفردية أي وجودٍ يُذكر، وهو الأمر الذي لم يكن متحققًا في شخصي بكلِّ تأكيد. ومع ذلك فقد امتنعت تمامًا عن التصريح بأسباب الخلاف حينها كي لا يقال إن القضية مجرد تصفية حسابات، أو أني غاضبٌ أو حزينٌ على منصبٍ ما، بحيث لم أنشر هذا المقال سوى بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية التي حقق فيها الحزب نتيجة ممتازة، وهي نتيجة أثق بأن الحزب كان سيحققها في كل حالٍ سواء أَنُشرت المقالة قبل الانتخابات أم لم تُنشر. المهم في الموضوع كلِّه أن إعلامنا يتفنَّن في تصغير الأشياء التي تستحق العناية والتعظيم والاهتمام؛ وفي تضخيم الأشياء التي تستحق غير ذلك (كتغطية الصحافة –مثلاً- لخبر وفاة جلال عامر أحد الكتَّاب الكبار المؤمنين بالثورة وملابسات وفاته؛ وعنايتها البالغة بخبر وفاة إحدى المغنيات الأمريكيات)، كما أن بعضنا حين يصل إلى مرحلة الشلل التامّ يتفرغ لتعليق ذلك على شماعاتٍ مختلفة، أو مهاجمة هذا الطرف أو ذاك، وكأن الثورة قد انحصرت في صورة جنائز نشبع فيها لطمًا وعويلاً بدون أي مردودٍ حقيقي، أضف إلى ذلك أن هناك من يسعى لإشعال الحرائق الصغيرة في كلِّ مكان (ونحن نعرفه بالطبع) ومَن يسعى لإطفائها (كما حدث في العامرية على سبيل المثال)، في حين يتم تمرير (مشروع وطنٍ) لا يتغير فيه شيء تغيرًا حقيقيًّا وجادًّا ودائمًا.