يبدو أن صراع الهيمنة الاقتصادية بين أكبر قوتين فى العالم أمريكاوالصين لن يتوقف للحظة فبعد صراع مرير ومبارزة بفرض ضرائب وجمارك على التجارة بين البلدين فى عهد إدارة ترامب بدأ الصراع يأخذ منحى جديدًا بطلها هذه المرة الرقائق الإلكترونية التى تمثل عصب صناعة التكنولوجيا وأجهزة المحمول والسيارات وهذا ما يفسر صراع القوتين للهيمنة على تايوان التى تمتلك نحو 70 % من خام الرقائق . فمنذ أشهر وأزمة نقص الرقائق الإلكترونية تشغل بال الدول الصناعية الكبرى، لتهديدها بخسائر كبرى فى قطاعات عديدة، من السيارات إلى الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة والصناعات التحويلية عمومًا. إن المعركة على الرقائق الإلكترونية، والاهتمام الكبير الذى تمَّ إعطاؤه لهذه المسألة خلال الأيام الأولى لإدارة بايدن فُرض على البيت الأبيض الجديد بحكم الضرورة. فقد أجبر النقص العالمى فى الرقائق، الذى يرجع جزئياً إلى تخزين الصين هذه الرقائق، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب عليها خلال الوباء، بعض شركات صناعة السيارات الأمريكية والأوروبية على إغلاق المصانع. وكشف أيضاً نقاط الضعف فى سلاسل التوريد الأمريكية، فى ظل اعتمادها الشديد على عدد قليل من الشركات المصنعة فى آسيا. وتتسم سلسلة توريد أشباه الموصلات بالتعقيد. فالشركات الأميركية العملاقة التى تزود الشركات المصنعة للإلكترونيات الاستهلاكية بهذه الشرائح، تصمم المكونات ولكن فى الغالب لا تصنعها. حيث تصنع معظمها فى آسيا. تحوز الشركات التايوانية كشركة "تى إس إم سي" وشركة "سامسونغ" الكورية الجنوبية، معظم خطوط الإنتاج، حيث تحوز الشركات التايوانية على ما يزيد على 70 بالمئة من الإنتاج العالمى للرقائق الإلكترونية فى العالم عبر شركتين، بينما تحوز شركة سامسونج على نسبة 18بالمئة. ويواجه المصنعون أيضًا صعوبة فى تلبية الطلب من القطاعات المختلفة، إذ إن التغيير فى وضع الإنتاج والظروف المناخية المختلفة يؤثر بشكل كبير على معدلات الإنتاج والتى قد يستغرق إعادتها لمستواها المعتاد شهورًا. فى ظل هذا الواقع، فإن تايوان، التى تضم بعض أحدث مسابك أشباه الموصلات، وجدت نفسها تحت ضغط من شركات صناعة السيارات والحكومات. بالإضافة لما تواجهه تايوان حالياً من أزمة جفاف حادة لم تصبها منذ منتصف القرن الماضي، الأمر الذى أدى إلى انخفاض توريدات الرقاقات الإلكترونية كونها تتطلب كميات كبيرة من المياه لإنتاجها. وفى الوقت نفسه، وفقاً لتقرير نشرته رابطة صناعة أشباه الموصلات، فإن الأمر يتطلب ما لايقل عن20 مليار دولار لبناء مصنع رقاقات كبير بمعدات أكثر حداثة, وهو أكثر من مجرد حاملة طائرات جديدة أو محطة طاقة نووية. ستظل صناعة أشباه الموصلات قطاعًا بالغ الأهمية، على الأقل فى المستقبل المنظور، ومسألة جيوسياسية عالية المخاطر ، ومصدرًا للتوتر بين بكين وواشنطن وتايوان. فقد بدأت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن تتحرك لوضع أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعى وشبكات الجيل التالى فى صلب استراتيجية الولاياتالمتحدة تجاه آسيا، فى محاولةٍ لحشد ما يسميه مسؤولو الإدارة "الديمقراطيات التكنولوجية" بغرض الوقوف فى وجه الصين. وأصبح هذا الإطار الجديد للتنافس الأمريكى مع الصين ملحَّاً بسبب النقص المفاجئ على مستوى العالم فى الرقائق الدقيقة اللازمة فى منتجات، مثل: السيارات والهواتف المحمولة، الأجهزة الإلكترونية المختلفة وحتى الطائرات والصواريخ. لذلك ستسعى هذه الاستراتيجية إلى حشد تحالف من الدول التى تحاول جاهدةً لتتفوَّق فى تصنيع أشباه الموصلات، والحوسبة السحابية، مما يؤدى إلى التأثير بشدة على ساحات المنافسة التقليدية التى تتعلق بمخزونات الصواريخ، وأعداد القوات. بدورها، أشارت "بلومبيرج" إلى أن كميات بعض الطرازات من هاتف "آيفون 12" كانت محدودة بسبب نقص المكونات، بينما عُزيَت الصعوبات فى الحصول على جهاز "بلاى ستايشن 5" من "سوني" وجهاز "إكس بوكس" الأخير من "مايكروسوفت" إلى النقص فى بعض الرقائق. يجادل الكثيرون بأن الضغط الأمريكى على الصين فى مجال أشباه الموصلات سيعنى فى النهاية أن الشركات المحلية ستكثف جهودها وتتغلب على التحديات العديدة. لكن التقدم فى هذا المجال والاستغناء عن الاعتماد على الشركات الخارجية يواجه تقدمًا أبطأ، كون عمليات التصنيع ستستمر لفترة زمنية طويلة عقدًا على الأقل أو أكثر. هذا تحديدًا ما يجعل تايوان جزءًا مهمًا فى المواجهة الاقتصادية بين العملاقين الأمريكى والصيني، وبغض النظر عن معركة استقلال تايوان عن الصين، وما يرافقها من ضجيج دبلوماسى وإعلامى أحيانًا وصمت وسكون أحيانًا أخرى، فإن المعطيات تشير إلى أن الصين تستثمر وبكثافة فى تايوان، واضعة نصب عينها صناعة الرقائق الإلكترونية، ودورها الراهن والمستقبلى فى حسم الصراع المتعلق ب لمن ستؤول قيادة الاقتصاد العالمي. واستغلت إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترمب نقطة الضعف هذه لمنع بكين من الوصول إلى التكنولوجيا. فمن خلال حظرها من الوصول إلى جميع تقنيات الرقائق الأمريكية وتصميمها، تمكَّنت أيضاً من حرمان حصول «هواووى تكنولوجيز» على أشباه الموصلات من شركة «تايوان لأشباه الموصلات» وغيرها من المسابك، مما أدَّى إلى إعاقة تقدُّم أكبر شركة تقنية فى الصين. كما تفاوضت مع الشركة التايوانية لإنشاء مصنع لتصنيع الرقائق بقيمة 12 مليار دولار فى ولاية أريزونا. ومن المقرر أن تقوم شركة «سامسونج إلكترونيكس» الكورية الجنوبية، بإنشاء مصنع مماثل منشأة بقيمة 10 مليارات دولار فى مدينة أوستن بولاية تكساس.