يكشف لغز اختفاء 6 أغانٍ ل«نجاة».. و كواليس علاقته ب«الكينج والهضبة والزعيم» فترة السيتنيات تغيرت ذاقة الجمهور بسبب انتشار الموسيقى الجاز والروك والأغانى الأجنبية التى استطاعت أن تجذب الشباب، إدراك الموسيقار هانى شنودة بأهمية التطوير والتجديد بكسر جمود الأغنية الكلاسكية، والاستعانة بالآلات الغربية لتطوير شكل الموسيقى بالتداخل والتوافق بين الأساليب العلمية الحديثة فى التأليف الموسيقى مع المحافظة على الروح الشرقية، مع التجديد فى موضوعات الأغانى لمخاطبة القاعدة العريضة من الجمهور. كما قدم صياغة للموسيقى التصويرية للافلام بشكل حديث معاصر . «الأورج« وصفه بأهم صديق فى حياته يتحدث معه بلغة خاصة بينهما، فكم من ذكريات شهد عليها الأورج منها بداية انطلاق محمد منير وعمر دياب وعمر فتحى وآخرون، وتعاون مثمر مع صلاح جاهين وعبدالرحيم منصور وعمربطيشة وشوقى حجاب وعنتر هلال، ونجوم الموسيقى والغناء محمد عبدالوهاب والعندليب عبدالحليم حافظ ونجاة وأحمد عدوية، ونجوم السينما والمخرجين عادل إمام وفاتن حمامة سمير سيف وهنرى بركات . لم يخذله صديقه الأورج فمعه تحققت احلاما كانت يوما ما اقرب الى المستحيل قدم نقلات وطفرات للموسيقى المصرية وخاض من أجلها صراعات وتعرض لهجوم إلا أنه أنجزها، وأحلاما مازالت تراوده بين الحين والحين تمنى أن تمحنه الحياة مزيدا من الوقت ليحققها، فكتب هانى شنودة اسمه فى السطور الأول للتاريخ الموسيقى الحديثة وتطويرها، حول كواليس مسيرته صدر عن دار ريشة للنشر والتوزيع مذكرات «عراب الموسيقى – هانى شنودة« للكاتب مصطفى حمدى. يطل علينا الكاتب فى الصفحات الأولى باشارة شديدة الأهمية أن هانى شنودة كتب شهادة ميلاد مهنة الموزع الموسيقى، وأسس أول فرقة موسيقية مصرية «فرقة المصريين»، وصاحب الفضل فى ميلاد ما سميت فيما بعد «موسيقى الجيل» التى شكلها تجاريا حميد الشاعرى وشركاه، فضل هانى شنودة انكار دوره لعقود، واكتفى بالمتابعة كأب روحى يبارك صنيعة يديه، ويراقب عن بعد، لذا وجد ضرورة توثيق مسيرته قبل أن تنسب انجازاته للآخرين .
فى رحاب السيد البدوى
هانى شنودة المحظوظ كما وصف نفسه من طنطا (29 أبريل 1943)، حاصرته الموسيقى فى البيت غرفة بيانو وأم تعشق الفن، وتغنى لأم كلثوم، وفى الشارع موالد وحلقات ذِكر ومداحون، وفى الكنيسة رعاة وكورال، من الموالد بداية تذوقه للموسيقى، كما يوجد نوع آخر من الموسيقى بطنطا وجود فرق موسيقية من عازفين يونانيين بالنوادى، نصحه والده الصيدلى بأهمية دراسة علم الموسيقى، وهذا العلم ساعده على تفكيك الجملة الموسيقية وإعادة توزيعها، وتطبيق علوم الموسيقى الحديثة على الموسيقى العربية .
بداية احتراف الموسيقى
على سطح العمارة المقابلة لمعهد الموسيقى شاهد شاب يقف ممسكًا جيتارًا إلكترونيًا يعزف بحماس شديد، تعرف علية اسمه «نبيل شديد صعب« وعرف منه أنه يريد تكوين فرقة موسيقية، وانطلقا كلاهما وكونا فرقة موسيقيا وعزفوا بالفنادق الكبرى إلا أن «شديد« بعد عام سافر، ثم تقابل مع العازف «يحيى خليل« وانضم إليهم وفرقة «لى بيتى شاه« ومن بين أعضائها عمر خورشيد عازف الجيتار، والمطرب نزيه المصرى، عمر خيرت كعازف درامز، وعزت أبوعوف، وقدموا أغانى البيتلز والإيجلز وتومبلانج.
نجيب محفوظ: «انتوا زوبعة فى فنجان»
سافر الكاتب نجيب محفوظ إلى الإسكندرية ليسمع فرقة هانى شنودة وسخر منه بقوله: «إنتو زوبعة فى فنجان»، دار بينها حوار وقال له: «ليه يا هانى مابتلعبوش أغانى عربى من تأليفكم«. ظلت جملة محفوظ محفورة فى ذاكرته فسأل نفسه: »لماذا لا أكوّن فرقة مصرية تعزف الموسيقى بشكلها الحديث الذى يقدمه العالم وأقدم كلماتنا المصرية ولغتنا»، فكان محفوظ دافعا محفزا لفكرة ميلاد فرقة المصرين، وأيضا كان يحضر حفلات الفرقة عبدالحليم حافظ الذى كون صداقة معه وجلب له «أروج« حديث من الخارج، إلا أن الموت خطف عبدالحليم قبل استكمال الحلم الذى كان سوف يغير تاريخ العندليب.
صلاح جاهين وفرقة المصريين
كتب الكاتب محمد قابيل مقالا بعنوان «المصريون قادمون«، مناسبة المقال أن سمع أغانى الفرق الموسيقية الجديدة ومن بينها فرقة «لى بيتى شاه«، وذكر »قابيل« إن هناك جيلا قادما من المصرين الى عالم الموسيقى سيغير كل شىء، تأثر شنودة وقال لنفسه نعم إحنا المصريين؛ لأنه سوف يقدم أغانى مصرية كلماتها مصرية، ومن هنا جاء اسم الفرقة «المصريين» وتأسست 8 ديسمبر 1977، أعضاء الفرقة منى عزيز وايمان يونس وتحسين يلمظ وممدوح قاسم وعمر فتحى (الذى كان يعرف وقتها بعمر جوهر). قدمت الفرقة الأغنية الاجتماعية والشعبية الحديثة لأول مرة. كتب الشاعر عمر بطيشة أغنية «8 ديسمبر» التى حملت تاريخ تأسيس الفرقة، ويعد العظيم «صلاح جاهين» الأب الروحى للفرقة الذى قام بثورة تصحيح بالغنوة المصرية وضع بصمته على مشروع المصريين بغنوة «ما تحسبوش يابنات إن الجواز راحة«، تلك الأغنية الذى عارضها الأزهر ظنا أنها ضد الزواج وخاض بسببها معارك مع الرقابة، وتابعها مجموعة أغنيات منها «ماما ستو»، و»الشوارع حودايت»، وتوالت نجاحات الفرقة، وأيضا غنى المطرب أحمد عدوية اشهر أغنياته «زحمة يادنيا زحمة» التى قدمت رسالة اجتماعية.
لمن تنسب شهرة محمد منير
بحسب السير المتدوالة فإن خمس آباء لمشروع محمد منير هما عبدالرحيم منصور وهانى شنودة وأحمد منيب ويحيى خليل ومجدى نجيب، والمؤكد أن يحيى خليل لم يكن صاحب اللمسات الموسيقية التى شكلت ملامح البوم «شبابيك «، ولدى شنودة قصة أخرى لميلاد منير يقول : »جاء به عبدالرحيم منصور ليستشيره عن الصوت الجديد، الذى قد يغيّر شكل الموسيقى المصرية، لذا لو هناك أب روحى حقيقى لمحمد منير فهو عبدالرحيم منصور الذى صاغ مشروعه الفنى عبر كلماته التى كانت متمردة وسباقة ومستشرقة للمستقبل«. اكتشف موهبة محمد منير ابن النوبة فدعمه فى العديد من الشرائط منها شريط «أمانة يا بحر»، والشركة المنتجة لألبومات منير إعادة طرح «أمانة يا بحر» تحت مسمى «علمونى عنيكى»، مع الإشارة على الغلاف إلى مشاركة هانى شنودة وفرقة «المصريين» فى صناعة الألبوم، ويليها شريط منير الثانى وهو «بنتولد». وذكر شنودة: «اعتبرت نجاح منير نجاحًا لى، صوت منير كان قطعة من روحى شكلتها وتابعت خطواتها، وذكر: »أنا لى فى منير نصيب لا يمكن أن يغفله أحد، ولهذا أتعجب ممن ينسبون مشروع منير إلى يحيى خليل فقط».
عمرو دياب مطرب بورسعيد
كانت فرقة «المصريين» تحيى حفلًا فى بورسعيد، بعد انتهاء الحفلة طرق باب غرفة الفرقة شاب يتحدث بلهجة بورسعيدية «صرفة»، وقال: أنا اسمى عمرو ونفسى أسمعك صوتى يأستاذ هانى ونفسى أبقى حاجة«، أعجب به ولكن لهجته البورسعيدية طغت على إحساسه فى الغناء، بالإضافة إلى حاجته الماسة إلى الدراسة، وهذا يتطلب انتقاله إلى القاهرة، فى صباح اليوم التالى وجده أمام باب الفندق وفى يده حقيبة سفر، وقال لهم: أنا جاى معاكم القاهرة«. فى القاهرة بدأ عمرو دياب رحلته سريعًا، كان مستعجل ليبدأ تسجيل واختيار الأغانى ، بينما اشنغل شنودة بالبحث له عن شخصية فنية يقدمه من خلالها للناس، فبعد شخصية محمد منير جاء عمرو دياب كصوت وصورة مختلفة تماما عن منير، وليكون فى الجهة المقابلة لمشروع منير، يجب أن يغنى للشباب كلمات أكثر رشاقة وخفة، بينما منير يغنى موضوعات دسمة واجتماعية وفيها فلسفة، عمرو هو الوجه البسيط والتجارى للأغنية الحديثة التى سعى لتقديمها، بينما منير هو الوجه الأكثر عمقًا المرتكز على موروث ثقافى فنى . غنى دياب أغنية «الزمن« لحن هانى شنودة وكلمات هانى زكى وظهر معه فى الغنوة وهو يعزف على الأورج، فمنحه مصداقية كصوت جديد ومقتنع موهبته.
6 أغانٍ لنجاة لم تر النور بعد
عرفها عن طريق الشاعر عبدالرحيم منصور وأبلغه أن نجاة معجبة بأغانى محمد منير، وقدم لها أغنيتن وهما «بحلم معاك» و »أنا بعشق البحر« من كلمات عبدالرحيم منصور إلا أن تأخر طرحهما ستة شهور بسبب تردد نجاة، لولا إشادة وتشجيع من الملحن الكبير كمال الطويل، وبعد الطرح كتب النقاد أن إعادة شباب نجاة على يد الحان هانى شنودة، والطفرة الموسيقية التى حدثت فى هذه التجربة، عرف عن نجاة التردد فى أخذ الآراء والاستعانة ببعض الأصدقاء فى الاستشارة، إلا أن العمل بينهما أثمر عن ست أغنيات تم تسجليها لم يروا النور حتى الآن . وعن اللغر وراء تأخر طرح الأغانى ذكر: »أجزم بأنهما أغان أجمل من « انا بعشق البحر” و» بحلم معاك« ولكنها ترددت مرة اخرى فى طرحها، لا اعرف هل فى ذهنها سبب ما وراء ذلك ؟، ولكننى لم اقدم هذه الأغنيات لمطرب آخر رغم مرور عقود من الزمن، ولم اذهب بها لمطرب آخر حتى لا أكسر قلب نجاة، لانها أحبت الأغانى فعلا، وانا بدورى تقبلت عقليتها مادامت سجلت الاغانى فهى ملكها، ونصيبى وقدرى ألا ترى النور وتظل كنزا مدفونا حتى الآن، وانا ممتن للقدر الذى عرفنى على نجاة ولتوصفها لى « الناس بتلحن على الارض وانت بتلحن فوق السحاب» .
امتحان محمد عبد الوهاب
اتفق عبدالوهاب مع نجاة أن تعيد غناء بعض أعماله مثل «النهر الخالد» و»عاشت بلادنا»، على أن يعيد شنودة التوزيع، وأثناء التسجيل كانت نجاة تتصل به من الاستديو وتسمعه عبر التليفون، وقالت له: عبدالوهاب بيقول عليك ياهانى انك أقرب الخواجات لينا «. ورغم وصفه ل شنودة »بالخواجة« إلا أن هذا الوصف لم يزعجه واعتبرها شهادة من قارئ للمستقبل، وصاحب بصمة سابقة فى تغيير شكل الأغنية المصرية والعربية، وفى بيت محمد عبد الوهاب ووجود نجاة عزف شنودة على البيانو لحن «بحلم معاك« وكرره كثيرا بحسب رغبة عبد الوهاب، وذلك لكشف شخصية شنودة الفنية يعيد بتنويعات أما حافظ اللحن. كان هذا امتحانًا عمليًا من عبدالوهاب لشخصية شنودة الفنية، كان يريد أن يعرف هل هو خواجة «صرف»أم مزيكاتى مصرى بروح الخواجات. قال لنجاة: هانى هيعمل حاجة كبيرة فى المزيكا العربية لو أُتيحت له الفرصة وفضل مكمّل فى طريقه وماتأثرش بالناس اللى هترفض مزيكته»، كلمات عبدالوهاب شكل قوته فكلما واجهة إحباط لم يقلّ إيمانه بتجربته يوما ما، حتى عندما واجهت فرقة «المصريين» شبح التفكك والانفصال نهائيًا، كان لشنودة يقين انه قادر على صناعة نسخ متعددة من الفرقة تواكب كل زمن.
ولا عزاء للسيدات
دخل عالم الموسيقى التصويرية للأفلام، وهى مرحلة مهمة فى مسيرته الموسيقية ووضع بصمته إلإ أنه يقول إن البداية كانت مخيفة لأنها مع سيدة الشاشة فاتن حمامة أبلغه المخرج هنرى بركات، أن فاتن حمامة معجبة بموسيقاه، وتريد التجديد فى فيلمها الجديد «ولا عزاء للسيدات» ووضعت شروط فى تصورها للموسيقى التصويرية، منها مثلا أن يعتمد على جمل موسيقية قصيرة، وألا يستخدم آلة التشيلو، وأن تكون التيمات موزعة على الأبطال بحيث ترتبط كل تيمة ببطل فى الفيلم، واعجبت فاتن بموسيقى شنودة ونجح الفيلم وهذا كان بداية انطلاقه لعالم الموسيقى التصويرية.
عادل إمام المشبوه والحريف والغول
اتصل به المخرج سمير سيف بانهم يريدون موسيقى لفيلم جديد لعادل إمام «المشبوه«، وأعطاه السيناريو فوجده ملىء بالتساؤلات: هل سينجح الضابط «فاروق الفيشاوى» فى القبض على اللص «عادل إمام»؟ هل ستكتمل قصة حبه مع «سعاد حسنى»؟ هل سيتوب توبة صادقة؟ هل سيعود للسرقة مرة أخرى؟ وترجم شنودة كل هذا إلى تنوعات ايقاعية واعجب بها سمير سيف، وقاله عادل امام :» يا هانى أنت موسيقار عظيم، أنت عملت مزيكا هتفضل بصمة عايشة مع الفيلم ويمكن تفكّر الناس بالفيلم كمان«. تم تعاون مع عادل إمام فى أفلام عديدة منها «عصابة حمادة وتوتو» و»الحريف» و»المولد» و»الأفوكاتو» و»الغول» «شمس الزناتى» . ويليها فيلم «غريب فى بيتى« المخرج سمير سيف وتجربة ايقاعية مختلفة استخدم فيها التيمية الصعيدية، واستعان بفرقة الريس متقال وهى المرة الأول لهم فى موسيقى تصويرية. 431b242c-5542-4542-bc43-3a04622706eb صلاح_جاهين عادل_امام فرقة_المصرين محمد_منير نجاة_الصغيرة نجيب_محفوظ