«إلى التى لها أحيا، وفى سبيلها أسعى وبها وحدها أعنى طائعاَ أو كارها.. إلى نفسى».. هكذا أهداها من حبر قلمه كلمات ساخرة فوصف بصدق وبلاغة غايته من الحياة والكتابة إنه إبراهيم عبد القادر المازنى الذى تحل ذكرى ميلاده فى التاسع عشر من أغسطس الجارى ليأتى إلى الدنيا شاعرا وأديباً وناقداً أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته. ولد إبراهيم عبد القادر المازنى فى القاهرة عام 1889 م ويرجع نسبه إلى قرية «كوم مازن» التابعة لمركز تلا بمحافظة المنوفية. توفى والده وهو فى سنٍ مبكرة، وتلقى تعليمه الابتدائى، والثانوى فى المدارس الأميرية. بعد إتمامه لتعليمه الثانوى، بدأ المازنى يبحث عن نفسه، وعن المجال الذى يجد فى نفسه حبًا وشغفًا له، فالتحق بكلية الطب، ولكنه عندما دخل غرفة التشريح أغمى عليه فترك كلية الطب بعدها. قرر بعدها الالتحاق بمدرسة الحقوق، إلاّ أنّه عَدَل عن ذلك لعجزه عن دفع الرسوم الدراسية، فى النهاية التحق بمدرسة المعلمين العليا، وتخرج فيها عام 1909.. إلا أنه كان يفضل أن يكون طبيباً وعلل ذلك ساخرًا بقوله «الطبيب ليس كمثله أحد، يقتل الناس ويأخذ مالاً». الأستاذ وشقاوة التلاميذ ولكنه بالفعل عمل فى التدريس بالمدرسة السعيدية لمادة الترجمة، وخرج من تحت يده تلامذة صاروا نوابغ فيما بعد لعل أبرزهم عبدالرحمن عزام أمين عام جامعة الدول العربية لاحقًا. نقل المازنى إلى المدرسة الخديوية ومنها إلى دار العلوم ثم عمل بالتدريس فى إحدى كبريات المدارس الثانوية الأهلية ليكون زميليه بها عباس محمود العقاد وأحمد حسن الزيات ثم مدرسًا بمدرسة وادى النيل الثانوية وأخيرًا تم تعيينه ناظرًا للمدرسة المصرية الثانوية، قضى خلالها عشر سنوات فى التدريس. شغل إبراهيم عبدالقادر المازنى أكثر وقته خلال التدريس بالترجمة عن الإنجليزية إلى العربية والعكس. الصحافة فى حياة المازني اتجه إبراهيم عبدالقادر المازنى إلى الصحافة لما وقعت ثورة 1919 وعمل مع أمين الرافعى فى جريدة الأخبار ومع عبدالقادر حمزة فى صحيفة البلاغ كما رأس تحرير جريدة الاتحاد وكان يعالج الموضوعات السياسية بروح الكاتب المستقل. عُين المازنى محررًا لجريدة الأخبار، ثم محررًا لجريدة السياسة الأسبوعية، ثم رئيسًا لتحرير جريدة السياسة اليومية، ثم رئيسًا لجريدة الاتحاد، كما انتُخب وكيلاً لمجلس نقابة الصحفيين عام 1941. وعُرف عن المازنى براعته فى اللغة الإنجليزية والترجمة منها إلى العربية، فقام بترجمة العديد من الأشعار إلى اللغة العربية، وتم انتخابه عضوًا فى كلٍ من مجمع اللغة العربية فى القاهرة، والمجمع العلمى العربى فى مصر. كانت حياة المازنى الذاتية محور الكثير من مقالاته، وبعض قصصه، وذلك أمرٌ طبيعى لكاتبٍ يعتز بذاته وبأدبه، وتحدث فى هذه المقالات والقصص عن طفولته وذكرياتها، وشبابه وأحداثه، وعيشته الأسرية، وصراعه مع الأحداث. اهتم المازنى ببناء ثقافهٍ أدبيةٍ واسعة من خلال قراءة الكثير من المؤلفات الشعرية والنثرية والروائية العربية والإنجليزية كما قام بترجمة العديد من الشعر والنثر إلى العربية حتى قال عنه العقاد: «إننى لم أعرف فيما عرفت من ترجماتٍ للنظم والنثر أديبًا واحدًا يفوق المازنى فى الترجمة من لغةٍ إلى لغة شعرًا ونثرًا». المازنى شاعرًا لطالما حاول المازنى التحرر من وحدة القافية وشكل القصيدة التقليدية، فنادى بالشعر المرسل من خلال مدرسة الديوان التى أسهم فى تأسيسها إلى جانب كلٍ من عبد الرحمن شكرى وعباس محمود العقاد. واهتم المازنى بالنثر أكثر من أى شيءٍ آخر وأدخل فى كتاباته بعض المعانى المقتبسة من الثقافة الغربية، وقد تميز أسلوبه بالفكاهة والسخرية فأخذت كتاباته الطابع الساخر فى عرض مشاكل المجتمع المصرى والتجارب الشخصية وتجارب الشخصيات المحيطة به، فعرض بذلك كل سلبيات وإيجابيات المجتمع المصرى من خلال رؤيته الخاصة وبأسلوبٍ مبسط بعيد عن التكلف الشعرى والأدبى. توقف المازنى عن كتابة الشعر بعد صدور ديوانه الثانى عام 1917، واتجه إلى كتابة القصة والمقالة الإخبارية. كما اتّسَمَ أسلوب المازنى باستخدامه الصورة فى شعره ليس لذاتها، بل لأنها وسيلته الوحيدة إلى ما يريد طرقه، وقد تضيق الصورة وقد تتسع، فتكون صورةً جزئية تؤازر أخواتها وغيرها من وسائل الأداء لإتمام العمل الفنى، الذى يتكامل فى الذهن من خلال النظر والسمع وتصور النفس للمراد من الهيكلية الأدبية، وعندما يرسم صورة كليةً فإنه غالبًا ما يتخذ الرمز وسيلته إلى مراده وتكون الوحدة العضوية بارزةً إلى حدٍ ما بين أجزاء صورته. المرأة والأسئلة الوجودية يذكر الكاتب الصحفى محمد برادة أن المازنى لم يكن روائيًا عاديًا يسعى إلى استنساخ الواقع أو محاولة إصلاحه، إنه كان يتطلع الى أبعد من ذلك، فالأسئلة الشاملة التى تمسّ الوجود والموت وإعطاة معنى للحياة كلها – عند المازنى – تمرّ عبر المرأة التى تغدو، فى رواياته، أفقاً مطلقاً لتحقيق الذات، ومادة لتحديد المواقف وضبط صورة متحررة للتواجد داخل المجتمع. قدم المازنى العديد من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة نذكر من أعماله: إبراهيم الكاتب، وإبراهيم الثانى – رواياتان، أحاديث المازني- مجموعة مقالات، حصاد الهشيم، خيوط العنكبوت، ديوان المازنى، رحلة الحجاز، صندوق الدنيا، عود على بدء، قبض الريح، الكتاب الأبيض، قصة حياة، من النافذة، الجديد فى الأدب العربى بالاشتراك مع طه حسين وآخرين، حديث الإذاعة بالاشتراك مع عباس محمود العقاد وآخرين، كما نال كتاب الديوان فى الأدب والنقد الذى أصدره مع العقاد فى عام 1921 م شهرة كبيرة، وغيرها الكثير من القصائد الشعرية، وتوفى عام 1949 م.