مثل غالبية المصريين، وجدت فى شهر رمضان المبارك، فرصة جيدة للهروب مع أسرتى من ضجيج القاهرة، وملل الحجر الصحى، إلى قريتى بمحافظة الدقهلية، حيث سحر الأجواء الريفية، والمساحات الخضراء التى تفوح منها رائحة زهور النباتات وطين الأرض، فضلا عن الراحة النفسية الناتجة عن حالة الهدوء والدفء العائلى. فيروس «كورونا»، جدد الانتباه إلى أهمية الريف، والهجرة العكسية من المدينة إلى القرية، باعتبارها أحد أهم الأماكن الآمنة للوقاية من خطر الفيروس القاتل، حيث تتواجد المساحات الواسعة التى تحقق التباعد الاجتماعى، ولذلك عاد الكثيرون إلى مسقط رأسهم، فى ظل إغلاق المدارس والجامعات، وتخفيف العمالة بالجهاز الإدارى للدولة، وقطاع الأعمال العام. رغم خطر« كورونا»، إلا أن رمضان فى القرية له مذاق خاص، فالزينة تملأ الشوارع، ترسم البهجة والفرحة على وجوه الأطفال الذين يلعبون فى الساحات، بينما يقضى الرجال «ساعة العصارى »وسط الزراعات الخضراء، والبيوت تفوح منها رائحة الطعام الشهية، وأجمل من ذلك« لمة العيلة »على مائدة الإفطار، وطبلة وصوت المسحراتى فى أوقات السحر. فى الريف.. يتجاهل أبناء القرية شعار« خليك فى البيت»، وعندما تحجم عن المصافحة بالأيدى والأحضان، وتنصحهم بعدم القبلات وضرورة اتباع الإجراءات الاحترازية، بارتداء الكمامات الواقية، وتعقيم وتطهير الأيدى بالكحول، والاستفادة من المساحات الواسعة فى التباعد الاجتماعى، ولكن سرعان ما يكون ردهم «سيبها لله.. ربك هو الحافظ». مع بداية انتشار الفيروس، لم تختلف القرية عن المدينة« فالغربال الجديد له شدة»، حيث تسرب الخوف إلى قلوبهم فى الأسابيع الأولى، وتسابقوا فى تطهير وتعقيم الشوارع والمنازل ودور العبادة والمدارس، ولكن سرعان ما تسلل الخوف من قلوبهم، وعادت الحياة إلى طبيعتها تدريجيا، وسعى كل منهم إلى مصدر رزقه، وخاصة أنهم فى موسم حصاد القمح، وبدء زراعة الأرز والقطن. أهالينا فى الريف يتعايشون مبكرا مع كورونا دون مراعاة للإجراءات الاحترازية، ولكن رغم ذلك مازالت المحافظات الريفية -والتى تمثل نحو 50% من عدد السكان- الأقل إصابة بالفيروس القاتل، فمحافظة الدقهلية جاءت فى المركز ال 13 بإجمالى 179 حالة ايجابية، تعافى منهم 92 حالة، فيما يتبقى 87 حالة فى مستشفى العزل بتمى الأمديد، بعد فحص 4541 حالة اشتباه، خالطوا مصريين عائدين من ايطاليا وألمانيا وفرنسا، فى حين جاءت «المحافظات الحضرية» القاهرة والجيزة والإسكندرية فى المراكز الأولى. ظروف موسم الحصاد وبداية دورة زراعية جديدة، دفعت أهالينا فى الريف لعودة الحياة إلى طبيعتها، دون الالتزام بالإجراءات الوقائية، وأخشى أن تتحول بعض القرى إلى بؤر لانتشار الفيروس فى وقت الذروة، وإن كان ما يبث الطمأنينة فى نفسى أن الريف يتميز بالمساحات الواسعة التى تتيح التباعد الاجتماعى، وأن الحركة محدودة من المنزل إلى الحقل، فضلا عن تمتعهم بمناعة جيدة بسبب تعرضهم لأشعة الشمس، وأن إصابتهم السابقة بالفيروسات والعلاج منهم قد منحهم مناعة جيدة لمواجهة كورونا. علينا أن نعترف ونعطى الدولة حقها، فهى تعاملت باحترافية شديدة، ولها تجربة مميزة فى إدارة أزمة كورونا، حيث وضعت خارطة طريق للحفاظ على صحة المواطنين، دون أن تتوقف عجلة الإنتاج، بدليل أن معدلات الشفاء من كورونا كبيرة، ونسب الوفيات أقل من المستويات العالمية، مما يعطينا أمل فى أن تعود الحياة إلى طبيعتها تدريجيا بعد عيد الفطر المبارك. ولكن العودة التدريجية للحياة الطبيعية، تستلزم من كل مواطن أن يكون على قدر المسئولية، ويساند الدولة للخروج الآمن من الأزمة، وألا يتخلى المواطنون عن ارتداء «الكمامة »وأن تكون أسلوب حياة، ويلتزموا بالتباعد الاجتماعى واستخدام أساليب التطهير والتعقيم، وأن تكون العقوبات رادعة لكل من يخالف. حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء