بين الحين والآخر تشتعل الفتنة الطائفية في محافظة من محافظات الجمهورية.. فلا يخلو شهر تقريباً إلا وتحدث أحداث طائفية مزعجة تؤرق استقرار مصر.. وتضعف من قوة نسيجها الوطني.. وتزيد الهوة التي أوجدها الاستقطاب السياسي الحاد بعد الثورة بين طوائف الشعب المصري بما فيها المسلمون والمسيحيون. وكان الدور في هذا الشهر علي محافظة أسيوط وتحديداً في قرية «العدر»، وبدأت المشكلة بأن نشر الطالب المسيحي جمال مسعود صوراً مسيئة للرسول (صلي الله عليه وسلم) علي صفحته علي فيس بوك. ومن فرط سذاجته أو مكره أخبر زملاءه بالمدرسة بذلك.. فقامت القيامة واختلط الحابل بالنابل وانتظره المسلمون بالقرية ليفتكوا به خارج المدرسة.. ولكن الشرطة أنقذت الموقف وقبضت علي الطالب ورحلته للقسم. وكان يمكن للمشكلة أن تنتهي عند هذا الحد وأن يطالب الجميع بعقوبة ذلك الشاب عن طريق النيابة والمحكمة.. ولكن تأتي الرياح بما لم تشته السفن.. فقد جاءت عدة سيارات من قرية «بهيج» المجاورة تحمل بعض سكانها المسلمين الذين حاصروا منازل الأقباط بقرية «العدر».. وحاولوا إضرام النيران فيها.. فانتقلت قوات الأمن والإسعاف والمطافئ لمحاصرة الموقف ومنع تدهوره. ولكن الأهالي تجمعوا مرة أخري ما استلزم عمل كردون أمني من الجيش والشرطة حول القرية وبيوت المسيحيين فيها.. ورغم ذلك اصطدم بعض الأهالي بهذه القوات.. ثم انتقل الأمر إلي قرية سلام المجاورة. وأود أن اعلق سريعاً علي هذه الأحداث المؤسفة فيما يلي: 1- الإساءة إلي الرسول (صلي الله عليه وسلم) وإلي أي نبي مرسل هي خط أحمر لا ينبغي أن يتجاوزه أحد كائناً من كان.. لأن هؤلاء الرسل أشرف وأعظم وأفضل الخلق.. وجاءوا بالهداية والرشاد للخلق جميعاً دون أن يطلبوا دنيا أو يرغبوا في أجر.. ولذلك كان هتاف كل الرسل «يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً». 2- الإساءة إلي الرسول هي نوع من الخبل والجنون أو الشطط والغلو والتعصب المذموم يجلب كل المصائب علي الجميع. فالرسول (صلي الله عليه وسلم) هو ملك لكل الناس فقد جاء لخيرهم جميعاً بلا استثناء.. وسيدنا عيسي هو ملك لنا جميعاً.. وكذلك سيدنا موسي.. عليهم السلام جميعاً. والإساءة لأحدهم يمكن أن تحرق الأخضر واليابس.. وعلي زعماء الكنيسة أن يعرفوا شبابهم أن إساءة الأدب مع الرسل تنطوي علي خطر كبير علي المصريين جميعاً في الدين والدنيا. 3- أظن أن هذا الشاب قام بهذا الأمر من تلقاء نفسه.. وبسذاجة متناهية.. لأنه أبلغ الآخرين بذلك في مجتمع قروي تصل فيه المعلومة إلي كل السكان في طرفة عين.. ولذا كان علينا أن نعالج الأمر بطريقة قانونية مع هذا الشاب وحده. 4- إن تعميم العقاب علي أسرة الشاب أو علي الأسر المسيحية الأخري في القرية أمر لا يقره الإسلام ولا تقره شريعته الغراء التي جاءت بمبدأ شخصية العقوبة قبل أن يعرفها القانون ب 1400 سنة.. فقال تعالي «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَي». فأسرة الإنسان غير مسئولة عن تصرفاته.. والمسيحيون ليسوا مسئولين عن كل ما يفعله أي مسيحي.. كما أن الحركة الإسلامية ليست مسئولة عن تصرف أحد أفرادها. 5- لقد عانينا كثيراً من تعميم العقاب خارج السجن وداخله.. وكرهناه وسئمناه.. وعانت قري الصعيد من تعميم العقاب من الشرطة حينما كانت تحتجز الرهائن وتقبض علي النساء وتكسر البيوت.. فهل نفعل ذلك وما زال عهدنا كمسلمين بهذه الأشياء قريباً؟ 6- إن أسوأ جريمة علي وجه الأرض بعد سب الأنبياء هي تعميم العقاب وأخذ البريء بجناية المذنب.. ومعاقبة الأب بجناية ولده.. ومعاقبة القرية بجناية فرد فيها.. ثم أليست هناك دولة وحكومة وقانون؟ إننا نريد للعدل أن يسود.. لأنه من أجل العدل أرسلت الرسل.. وأنزلت الكتب.. وأقيمت الموازين يوم القيامة.. فلنحذر من الظلم. 7- لا يجوز في الإسلام ظلم يهودي ولا بوذي ولا مسيحي ولا أي ملة من الملل مهما كان بعدها أو قربها عن الإسلام فالعدل قيمة مطلقة لا استثناء فيها علي الإطلاق كما قال شيوخنا وأساتذتنا.