بقلم: د. جمال محمد علي تمر مصرنا الحبيبة بظروف عصيبة وبمرحلة انتقالية فارقة في التاريخ المصري الحديث والثورة المصرية الجديدة وبالتأكيد لها انعكاس أساسي علي الروح الوطنية والانتماء الوطني لدي الشباب والإنتماء يبدأ عادة مع صرخة الطفل الوليد، أي أنه فطري.. فها هو الطفل يلتصق أولا عند ولادته بأمه، ثم والده، وبعدها يكبر معه هذا والانتماء ليشمل كل أفراد أسرته، ليصل بعدها الي المدرسة.. الحي.. الأصحاب.. الأقران.. ثم يتنامي ليرتبط هذا المفهوم بالارض تلك البقعة الغالية التي تسمي الوطن حتي وإن كانت جزيرة مهجورة في محيط غير معروف أو قطعة منسية من صحراء مترامية في أبعد وأصعب جزء من العالم.. وبالتالي فالانتماء الوطني والتعايش السلمي بين أفراد الوطن الواحد وأطيافه، هما الانتماء الحقيقي الجميل للوطن. والانتماء بمفهومه البسيط هو الارتباط والانسجام والإيمان مع من تنتمي إليه وبه، وعندما يفقد الإنسان الانتماء فهذا يعني أن خللاً قد حدث معه وقد يكون الانتماء شكلاً يلتصق بالإنسان بلا معني ولا يأخذ شكله الموضوعي وهنا الخلل الحقيقي إذ لا معني لوجودنا في الحياة بدون انتماء حقيقي وليست صفة تلصق ويجب تجسيد الانتماء عبر السلوك الصحيح والإيجابي والمنسجم مع الانتماء الحقيقي وقد يصنف شخص أو يصنف نفسه أنه من حزب أو فكر معين أو من جماعة المهم هنا من أنا؟ وماذا أفعل؟ وماذا سأفعل وماذا فعلت؟ ماذا أنجز وما هو دوري وماذا حققت؟ إذًا فليس بالبساطة أن تصنف نفسك وتعطي لنفسك صفة الانتماء وللانتماء أشكال وألوان ويأخذ صورًا متعددة كالانتماء السياسي والانتماء الفكري وغيرهما وهناك العديد من الانتماءات الإنسانية في مجري حياتنا العامة ويتأثر بجملة من العوامل ويتطور وفقاً للتطور العقلي والثقافي لدي الإنسان ولعل أنقي حالات الانتماء وأرقاها وأجملها هو الانتماء للوطن، والذي يتجاوز بمضمونه كل الحالات الأخري، وله جذوره وقوته أكثر بكثير من الحالات الأخري نحن بحاجة إلي مراجعة ذاتية وأن نجسد الانتماء للوطن بكل قيمه المقدسة، نعود للقيم التي رضعناها مع حليب الطفولة، حب الوطن، التضحية، الاستعداد للعطاء، السلوك المنسجم مع الأخلاق والقيم الوطنية والنضال وبما يترتب عليه من التزام إلي آخر ما هنالك من القيم النبيلة وكفانا سيراً في الطرق المدمرة وسحقاً للأنا الرخيصة التي أصبحت بديلاً عن العام ويبقي الوطن ولا غير إلا الوطن، هو القدسية التي يجب أن تبقي وفي محرابه يجب أن تنتهي وتسقط كل الانتماءات الأخري وتسحق كل المصالح الشخصية والذاتية. والانتماء يعني احساس الفرد أو المواطن أنه جزء من كل فإذا كان عضوا في أسرة فهو جزء لا يتجزأ من هذه الأسرة وإذا كان فردا في مجتمع فهو جزء من لحمة وبنية هذا المجتمع يعيش فيه ويتعايش معه ويتفاعل مع تفاعلاته ويعتنق أيديولوجيته ويتمثل ثقافته ويتمسك بها ويكون ولاؤه أولاً وأخيرًا لهذا المجتمع أو الوطن فإذا تعرض الوطن لخطر ذاد الفرد عنه كمواطن وإذا انتصر فرح لانتصاره وإذا انحسر أو انكسر تألم لانحساره وانكساره بمعني آخر هو جزء من نسيج ذلك الوطن لا يحس فيه بغربة أو اغتراب ولا يحس فيه باضطهاد يوصله للاكتئاب، يفرح لأفراحه ويحزن لأتراحه يفديه بالروح إذا اقتضي الأمر وهذا لا يتأتي إلا إذا أحس المواطن أن الوطن يرعاه ويحميه ويحتويه ويعمل من أجله وبصفة عامة فالانتماء إحساس وشعور وإدراك نفسي اجتماعي يترجم في شكل من أشكال السلوك تتباين درجاته ويمكن قياسه من خلال المواقف والأفعال وردود الأفعال ومدي مشاركة المواطن أو عزوفه ومدي التعاون أو الصراع ومدي الالتزام بالسلوك السوي أو الانحراف إلي السلوك المرضي ومدي التماسك أو التفكك الاجتماعي وغير ذلك من المعايير. والمعروف أن المجتمع المصري يعتبر من أكثر الشعوب تاريخيا انتماء لوطنه وثقافته وتراثه الوطني بل لقد أصبحت هذه الصفة من أبرز ملامح الشخصية المصرية وظهرت تجلياتها في كثير من مواقف الشعب المصري التاريخية والتي تعبر عن ارتباطه الشديد بترابه والذود عنه والافتخار بالانتماء إليه والتحصن به لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا.