عندما ذهبت إليه وأخبرته بسبب الحوار، لمعت عيناه من الفرحة وكان سعيداً جدًا..إنه الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق الذى كان لا بد من حوار معه طالما قررت «روزاليوسف» عمل ملف صحفى عن المتحف المصرى الكبير مع تقدم العمل فيه وقرب افتتاحه خلال الشهور القادمة، حيث إن كل من يعمل بالآثار أو لا يعمل يقر أن الفضل الأول فى هذا المشروع المهم والكبير يرجع إلى الفنان فاروق حسنى عندما كان وزيرًا للثقافة قبل أكثر من 20 عامًا. وقد كانت خطوة تحسب للدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار عندما قررت الوزارة دعوة فاروق حسنى لزيارة المتحف منذ عدة أيام، وهو ما أسعده بالفعل أن يرى حلمه الذى راوده قبل سنوات يتحول لحقيقة، وهو ما كان مثار إعجاب الكثيرين خاصة أن ذلك كان سببًا فى معرفة الدور الذى لعبه وزير الثقافة الأسبق فى مشروع المتحف المصرى الكبير. لم أرد أن أقطع عليه هذه اللحظة السعيدة وهو يتذكر، وقررت عدم استخدام طريقة “س و ج” فى الحوار،وتركته يسترسل فى الحديث،حيث قال: أول مرة وضعت قدمى على أرض المشروع وكانت صحراء عام 2000، ثم بعد 20 عامًا زرته مرة أخرى، وانتعش ويتراقص قلبى عندما أضع شريط الذكريات هذا أمامي، وقد أصبح المتحف واقعًا وقائمًا بالفعل وقارب على الافتتاح. كانت فكرة مجنونة ووافقنى عليها الرئيس الأسبق مبارك حينما عرضتها عليه، كانت فكرة قوية جدًا داخلى خاصة أن المتحف المصرى بالتحرير لم يعد يصلح كمتحف لأن كل شىء فيه كما المخزن، وأتذكر أننى كنت ذات مرة فى حفل عشاء يحضره صديق معمارى فرنسي، والذى سألنى عن متحف التحرير قائلاً:»هاتعملوا إيه فى المخزن ده»، وكان يقصد المتحف المصرى بالتحرير. حينها كدت أموت غيظًا من ذلك، لكننى رددت سريعاً:»أنت مش عارف أننا بنعمل متحف تانى هايكون الأكبر فى العالم»، وحينها لم يكن لدى أى تصور عن المكان، لكن كان بداخلى إيمان قوى بالفكرة وموقف العشاء هو الذى أثارنى لتحويلها الى واقع ملموس، وهذا المعمارى جاءنى بعد ذلك وسألنى عن أرض المتحف ولم يكن حينها لدى فكرة فى أى مكان، خاصة أنه جاءنى بتصميم مبدئى وضعه لإنشاء المتحف، وقال لى إنه يمكنه جلب تمويل إيطالى له. وقبل أن نبدأ فى تنفيذ المشروع تم عمل دراسة جدوى له من 6 مجلدات واستغرقت هذه الدراسة 4 سنوات ونصف، ثم عامًا ونصف لعمل كراسة الشروط المرجعية ثم عامًا لاختيار من سينفذ، وقد تقدم للمشروع 1557 بيتًا استشاريًا فى العالم وهذا رقم لم يحدث فى أى مبنى فى العالم، وحينها كنت أشعر أننى أفعل شيئا للوطن والأجيال القادمة وليس لمجد شخصي. وفى كل مكان أذهب إليه أفتخر أننى من مصر دولة ذات تاريخ وتراث وكيان تاريخى عظيم، وصاحبة أكبر متحف فى العالم وأهم مركز ثقافى فى القرن ال21،وافتتاح المتحف سيحدث ضجة كبرى فى العالم كله، خاصة أن المتحف فى حد ذاته مبهر والمبنى مخيف جماليا، وسيكون نقطة جذب كبيرة وما سيحدث من تطوير فى المنطقة المحيطة سيحدث طفرة سياحية كبرى، خاصة المطار الذى تم إنشاؤه بالقرب من المتحف، كما أن ضم أرض نادى الرماية للمتحف قرار جرىء يكمل فكرة المتحف، بحيث يكون مطارًا وأرضًا ومتحفًا وفندقًا عبارة عن فيلات وأشجار والهرم والصوت والضوء، وكل هذه المكونات تحقق جذبًا قويًا للسائحين،وشىء عظيم جدًا تطوير المحاور المؤدية للمتحف والمترو، وهذا سيغير خريطة السياحة فى مصر، وهو ما كنت متأكد منه تمامًا عندما فكرت فى المشروع وأقرته دراسة الجدوى التى قمنا بها. وعندما ذهبت إلى المتحف الذى أعرف كل اسم فيه، كان خيالًا فى ذهنى ولم أتصور أنه سيصبح واقعًا سعدت به، خاصة أننى كنت حريصًا على انتهاء التصميم والتصور والتطبيق قبل أن أترك الوزارة، وقد أنجزنا ثلث المتحف وأهم ما فيه وهو مركز الترميم والمخازن والإدارة ومحطة الكهرباء والمياه، وعندما ذهبت للمتحف فوجئت بتطبيق المشروع كما كان مرسوما ومخططا له بشكل دقيق، ويكاد يكون متطابقًا مع الخيال. وما أسعدنى كثيرًا أن يكون المشرف على مشروع المتحف وما به من إنشاءات شخصًا مدركًا جيدًا وفاهمًا ولديه قوة وحزم وهو اللواء عاطف مفتاح، وهو فى الأساس معمارى وضابط وبالتالى تمكن من رؤية المشروع بشكل محترم جدا،وفوجئت بالمبنى وضخامته، وعندما شاهدت تمثال رمسيس الثانى سعدت كثيرا، خاصة أننا من اقترح وضعه داخل البهو العظيم، حيث كانوا يفكرون فى وضعه أمام واجهة المتحف، لكننى قلت أنه سيبدو صغيرًا جدًا مع ضخامة واجهة المتحف، و عندما يوضع فى الداخل سيكون له جلال عظيم جدًا وقوة تأثير وهو ما حدث. وكم كانت سعادتى عندما وجدت المشروع ينفذ بقوة وحماس،وإن لم يكن وراءه رئيس مثل الرئيس السيسى تأكد أنه لم يكن سيتم هذا المشروع، خاصة أنه مكلف جدًا كونه ليس مبنى فقط بل يحتاج لتطوير المنطقة كلها ولولا رئيس دولة قوى مثل الرئيس السيسى ما كان تم المشروع، خاصة أن ما حدث فى 2011 أدى لتوقف العمل، وبعد 2011 توقف المشروع ولم يهتم به أحد غير الرئيس السيسى الذى أعطى المشروع دفعة قوية للأمام. والمتحف الكبير عظيم ويحوى آثارًا عظيمة، وحينما قرأت اليابان دراسة الجدوى ورأوا المشروع يمضى بثبات على قدم وساق حينها أعطونا قرضًا 300 مليون دولار، ولم نستخدم هذا المبلغ لأننا كنا فقط غطينا تكاليف إنشاء معامل الترميم وما صاحبها من منشات أخرى، حيث بدأنا المشروع وأنجزنا الكثير فيه ولم نمس ال 300 مليون دولار، وحتى رحيلى عن الوزارة كان هذا المبلغ موجودا ولم ينفق منه شىء بعد، وفى عهد الرئيس السيسى اعتقد جلبوا تمويلا جيدا جديدًا بقيمة 400 مليون دولار. ولم تحدث تغييرات كثيرة فى تصميم المتحف، حيث كان المعمارى مصمم الواجهة من الألباستر وما لدينا من ألباستر ليس جيدًا، وأحسن ألباستر فى تركيا واليونان والواجهة كبيرة جدا ومساحتها توزاى عدة أفدنة، ولنا أن نتخيل كمية الألباستر التى ستغطيها وتكلفة هذا كبيرة جدًا جدًا، كما أن الألباستر هش بطبيعة الحال، وبالتالى كنا سنحتاج لضعف الكمية لتعويض الفاقد أثناء العمل،والواجهة الحالية جيدة وهى أفضل الحلول المتاحة.