اتصل بي أحد الزملاء القدامي الذي تباعد عن المهنة ويقضي أيامه في السفر والترحال بين برشلونة وباريس، قال لي وكأنه يريد فتح نقاش سياسي: هل تري أن إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري الآن مناسب، في ظل أجواء الإنفلات الأمني وأعمال البلطجة وانتشار السلاح بين الأفراد، والتمويلات المشبوهة من مساجين طرة للبلطجية؟ قلت له مستنكرًا: هذه أجواء فوضي وليست أجواء انتخابات، فقد أصبحت السياسة في مصر تذاكيا وسفسطة وشعارات جوفاء، وحوارات عقيمة، استشعر زميلي القديم الغضب ورد: بين من ومن؟ أجبت: بين السياسيين من الأحزاب المدنية والإخوان المسلمين، وأصبحت لغة الحوار بينهم لغة رديئة تغلف بالوطنية، لكن حقيقتها البحث عن تحقيق المصالح الضيقة سواء كانت للفصيل السياسي أو للفرد نفسه، لذلك تتباعد المسافات بينهم، وبين المصالح العامة للناس. رد الزميل قائلاً: يا عزيزي الإخوان المسلمون، والأحزاب أذكياء مع بعضهم البعض، لكن حين تكون العلاقة مع الناس فإن الأمر ينتقل من رتبة الذكاء إلي رتبة التذاكي. قلت: ألا تعرف أن الناس يميزون تمامًا بين الذكاء والتذاكي؟ قال: بالتأكيد يعرفون أكثر من الإخوان المسلمين، وقيادات الأحزاب، لكن «ما باليد حيلة»، ولو كان الأمر غير ذلك لقاطع الناس الانتخابات، لأن الناس تعرف متي تبدأ، ولكن لا تعرف متي تنتهي، وهو ما جري في أحداث ثورة يناير. قلت له: لماذا لا تتم مقاطعة صناديق الانتخابات المقبلة؟ قال: ليس الأمر بهذه البساطة، فالانتخابات بعد 40 يومًا، فهل يستمر التذاكي حتي ميعاد الانتخابات؟ قلت بشيء من الحزن: ربما أعود مثلك إلي الترحال والسفر، حتي تتضح الرؤية كاملة، لأنه كلما ابتعد الإنسان عن بؤرة الأحداث اتضحت له الرؤية من جميع الجوانب. اختتم زميلي حواره بسؤال يدور علي جميع ألسنة الناس: إلي أين تسير مصر.. في طريق السلفيين والجماعات المتشددة والإخوان أم في طريق الوسطية المصرية؟ واستطرد قائلاً: احنا راحين لموقف إيران أم إلي موقف تركيا؟! قلت: مصر لها خصوصيتها الوسطية وستفرضها عن طريق الناس سواء اكتملت الانتخابات أو استمر المجلس العسكري في حكم مصر.