نعم للسفر ثقافة، وربما كتب في ذلك كثير من كُتَابَّنا وأشهرهم أستاذنا "أنيس منصور" "شفاه الله"، وهو أدب الرحلات، (حول العالم في 200 يوم)، من أشهر ما كتب في هذا الاتجاه، وللسفر فوائد جمة، ويقال قديماً (للسفر سبع فوائد)، وإن كنت أعَدْتُ تعدادَِها فوجدتها أكثر من مائة !! ويقال أيضاً إن "عبد الحليم حافظ " سأل صديقاً (هل تعرف فلان؟) قال الصديق (نعم) قال (هل سافرت معه؟) أجاب الصديق (لا) قال "عبد الحليم " (كأنك لا تعرفه !!) ففي السفر تتغير صفات الناس وهذه ثقافة السفر !!. حتي عملية الانتقال من بلد إلي بلد آخر سواء بالطائرات، أو البواخر، أو حتي السيارات إن كانت الحدود مفتوحة بين الدول كما هو الحال في "أوروبا"، أوفي أمريكا (بين الولايات) فإن ثقافة السفر تنشأ وتتراكم، وتتطور طبقاً لجدول سفرياتك، أو عدد رحلاتك وتنوعها بين الدول. فلا شك أن الوصول إلي مطار (فرانكفورت) لكي تلحق بطائرة أخري تنقلك إلي (أمريكا)، هذا شيء من الخيال العلمي إن لم تتدرب عليه، أو يقودك حظك العثر إلي أن تفقد الطائرة الثانية فتمكث في المطار ليلة، خاصة إن لم يكن في حوزتك فيزا (تشنجن) تسمح لك بالخروج إلي (فرانكفورت) لتقضي فيها يوماً آخر حتي موعد الطائرة التالي!! ولا شك أيضاً أن وصولك إلي مطار (هيثرو) في لندن لكي تستطيع أن تأخذ مسارك عبر نقاط التفتيش وخلعك حذاءك وحزامك، وكل ما يشع في (جيبك) من معادن، أو حتي (عملات ورقية) كل هذا يتطلب ثقافة للسفر! حتي ابتياعك لاحتياجاتك وأسرتك من (السوق الحرة) في المطار أو من الأسواق في تلك المدن، أيضاً تحتاج لثقافة، وفي رحلتي الأخيرة، حيث كنت كما كتبت أمس في زيارة (لأطلانطا - جورجيا) - مروراً بمطار (هيثرو- لندن) وطول ساعات الانتظار بين الطائرة القادمة من أمريكا، و قيام الطائرة الأخري إلي مصر، أكثر من (سبع ساعات) ورغم أن استراحة (الفاست تراك) أو الدرجة الأولي، يعمها الراحة و (الدلع) كله، فمن حجرات للنوم (Kapins) إلي مطعم رائع إلي كافيه متعدد الأغراض إلي SPA ، متعدد الأنشطة بما فيها (المساج) الذي تتقدم إلي موظفة الخدمة لتحدد لك موعداً، كل ذلك علي حساب (تذكرة سفرك)، فهذا متوفر (مجانًا) إن لم يكن لديك ثقافة السفر !! فسوف تخسر تلك الخدمات. فربما سماعك عن حجرة للراحة، وحمام خاص، وحجرة (للتدليك) سوف يكلفك الشيء الفلاني! ولكن بثقافة متراكمة، ستجد أن هذا (حقك) مجاناً علي تذكرة سفرك المدفوعة في بلدك، دون أخذ رأيك إن كنت تفضل (المساج) أو في عقيدتك هذا (شِرْكْ) وحرام، ومدعاة للفتنة (استغفر الله العظيم) !! فلا داعي للخطيئة، خاصة ونحن علي سفر! كما أن هذه الفترات الطويلة التي نمكثها في مشاهدة الآخرين، حيث كل من يتحرك في تلك المطارات لعشرات ومئات الرحلات، من كل الأجناس، تدعوك للتأمل وحينما تُكِثْر من التأمل تصل إلي حالة من التصور بأن وراء كل مسافر قصة، وحدوتة، ومقصد، وتلك الوجوه العابثة أو الضاحكة أو (المِبلَمَةْ) كلها لا تعبر عما وراءها من أحداث ومشاكل، ولكن يجمع الجميع ثفافة السفر، والجميع يعلم إلي أين ومتي يتحرك، وكيف؟ داخل تلك التجمعات (النملية) فالحركة في اتجاهات مختلفة، مثل خلية نحل أو أدق وصف (بحركة النمل)!