يأتي اليوم والمصريون يتشوقون للوقوف علي قلب رجل واحد، أمام ما يعتري الأمة، من تفكك، وتشرذم، وعدم وضوح رؤية لمستقبل يطمئن المصريين علي مستقبلهم السياسي والاقتصادي وأيضاً الاجتماعي. في مثل هذا اليوم (28سبتمبر 1970)، غادرنا فجأة ودون سابق إنذار (وهذه إرادة الله)، توفي إلي رحمة الله زعيمنا ورئيسنا المرحوم "جمال عبد الناصر". كان "جمال عبد الناصر"، ملء السمع والبصر للعالم كله، وكان الأمل الذي يتعلق به المصريون بل والأمة العربية، رغم أننا كنا نعيش حالة هزيمة بإنتصار (إسرائيل) المباغت يوم (5يونيو 1967)، علي قواتنا المسلحة في (شبه جزيرة سيناء) والتي فقدت غطاءها الجوي، بضرب الأسطول العسكري الجوي المصري علي الأرض وتدمير ممرات المطارات العسكرية والمدنية في خطة مرتبة خلال 6ساعات، فقدنا السيطرة علي زمام الموقف أو المواجهة أو حتي رد الفعل وكانت المصيبة الكبري، في اهمال القيادة العسكرية المصرية حينذاك، والاستهتار، وتولي المناصب القيادية، لأهل الثقة بعيداً عن الكفاءة المطلوبة لمثل هذه المناصب، جعلت من تلك الأيام السوداء في حياتنا المعاصرة، أياماً لا تنسي، واستوعبنا منها الدروس، ورغم تقدم "جمال عبدالناصر"، لتحمل المسئولية كاملة وتوجيهه خطاباً إلي شعب مصر متنحياً عن منصبه وكل المناصب السياسية، وإعلان إرادته بالعودة لصفوف الجماهير، كأي مواطن مصري يعمل من اجل استرداد الأرض والكرامة، و بلا ترتيب وفور انتهاء خطاب "جمال عبدالناصر"، إلا أن شوارع (القاهره) استقبلت مظاهرات غاضبة من كل المصريين تقريباً، ومنذ انتهاء الخطاب الساعة السادسة والنصف مساء يوم (9 يونيو 1967) وحتي نهاية يوم (10يونيو) 1967 والشعب شبه متوقف عن الحياة، وفي الشوارع كان الشباب والرجال والنساء مطالبين عودة " عبدالناصر"، عن قرار التنحي وإعادة محاكمة المسئولين عن الهزيمة وقد كان! ولازلنا نتذكر حرب الإستنزاف التي قادها "جمال عبدالناصر" وجنود وضباط القوات المسلحة التي جمعت شملها، وضمت لصفوفها لأول مرة خريجي الجامعات المصرية، جميعهم دون استثناء ما بين ضابط احتياط، وجنود مؤهلات عليا وتغير وضع القوات المسلحة من موقف صد للهجوم إلي مبادرات بالهجوم وإستنزاف القوي العسكرية الإسرائيلية. وسرعان ما جاء يوم (28 سبتمبر 1970)، وهو اليوم الاخير لمؤتمر (قمة عربية) دعي إليه "جمال عبدالناصر" في (القاهرة) لحقن دماء (الفلسطينيين والأردنيين)، حيث سُمي هذا الشهر (بسبتمبر الأسود)، حينما تواجهت القوي الفلسطينية بالجيش الأردني، واحتدم الموقف وحضر للمؤتمر في (القاهره) الزعماء وكل من الرؤساء والملوك يحمل خنجراً أو طبنجة، وبالفعل جاء "الملك حسين بن طلال" بالملابس العسكرية ويحمل طبنجته في جانبه. وكذلك جاء الرئيس "ياسر عرفات"، رئيس (منظمة التحرير الفلسطينية) بملابس (جهاده) المشهور بإرتدائها وأيضاً (الطبنجة في جانبه)، ولعل مجئ "معمر القذافي" أيضاً، وكان في بداية ثورة الفاتح من سبتمبر 1969، طازجاً، وحيوياً جاء هو الآخر بملابسه العسكرية برتبة العقيد التي حافظ عليها حتي خروجه عن السلطة، والطبنجة أيضاً بجانبه وبذل "جمال عبدالناصر"، مجهوداً ضخماً، وانتزع أسلحة الملوك والرؤساء، وأجلسهم في (هيلتون القاهره) الذي امتد منه كوبري معلق، يربط بين قاعة اجتماعات الجامعة العربية ومقر إقامة الرؤساء والملوك، وانتهي المؤتمر (بإتفاق القاهرة) المشهور، ووقف نزيف الدم في (الأردن) وكانت الصورة الأخيرة للرئيس "جمال عبدالناصر"، وهو يودع أمير دولة (الكويت) بمطار القاهره آخر الملوك المغادرين للقاهره وعاد إلي بيته، ليسلم الروح لبارئها، بعد أن استمع لنشرة أخبار الخامسة من إذاعة القاهرة، وسمع خبر وقف القتال وتمتم (الحمد لله) آخر كلمات نطق بها، ورحمه الله رحمه واسعة.