يكتبه - مايكل عادل اعتادت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، على أن يكون شهر نوفمبر له مذاق خاص حيث جاء فيه البابا تواضروس الثاني، لاعتلاء كرسى مار مرقس، ويكون بابا الإسكندرية وبطريركاً للكرازة وتنصيبه فى 18 نوفمبر 2012. وتحتفل الكنيسة غداً، بمرور 7 أعوام متتالية، على تجليس البابا تواضروس الثانى، ومن المقرر أن تطلق الكنيسة احتفالية كبرى للبابا مساء اليوم، بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، يشارك بفعالياتها كافة أعضاء المجمع المقدس بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بالإضافة إلى مشاركة وفود من كل الكنائس فى مصر والعالم، وأعداد غفيرة من الرهبان والكهنة. وخلال ال 7 سنوات، نستطيع أن نقول إن البابا تواضروس هو بابا المحبة والاحتمال، هو البطريرك الوطنى الذى دفع ثمناً غالياً لمحبته لكنيسته ولوطنه، حيث شهد البابا تواضروس ثلاثة رؤساء، الأول شارك فى عزله «مرسى» والثانى كرمه «عدلى منصور» والثالث ظل على العهد والوعد معه بالمساندة والدعم «السيسى»، حيث تولى البابا تواضروس منصبه فى وقت مرت فيه مصر بأصعب أوقاتها السياسية، وأخطرها على أمنها القومى، بعد أن فوجئ بأنه بطريرك مصرى تحت راية جماعة إرهابية تسمى «الإخوان» أرادت أن تسلب منه بلده وعشقه. تسلم البابا تواضروس مهام المنصب الأول للأقباط، فى ظروف لا يحسد عليها، حيث كان الإخوان يحكمون مصر، من خلال البرلمان، والانتخابات الرئاسية آنذاك، التى فاز فيها المعزول محمد مرسي، فمثلت له هذه الحقبة، تحديا صعبا، من حيث التوفيق بين الدور الوطنى للكنيسة فى مساندة الدولة، وتحمل ما قد يصدر عن الإخوان من قرارات ضد الكنيسة، كان بدايتها، التضييق على ممثلى المسيحيين داخل لجنة إعداد الدستور الأولى، والتى انتهت بانسحاب ممثلى الكنائس منها، وصدور الدستور دون تواجد للأقباط فى لجنة إعداده، فتذبذبت العلاقة بين البطريرك والمعزول الذى حاول بشكل أو بآخر أن يستقطب الكنيسة لتنفيذ ما يريده ولكنه فشلت كل مخططاته. وحينما أراد مرشد الإخوان محمد بديع زيارة البابا فى الكاتدرائية لتهنئته بتجليسه والحديث عن العودة للجمعية التأسيسية للدستور فى 28 نوفمبر 2012، ترك البابا المقر البابوى واعتذر عن عدم اللقاء بحجة رفض الأقباط لذلك، بعد أن فتحت الكاتدرائية أبوابها للشباب القبطى للتظاهر داخلها رفضاً للزيارة وتنديداً بالحكم الإخوانى، خاصة بعد تعرض الكاتدرائية للاعتداء لأول مرة فى تاريخها فى عهد الإرهابيين. عام كامل شهد مرحلة من الشد والجذب بين «الاتحادية» و«الكاتدرائية».. أحداث متتالية وتعليقات نارية لم تنته حتى بعد رحيل الإخوان عن سدة الحكم، فحكم الإخوان المسلمين للدولة المصرية لم يكن على وفاق مع الكاتدرائية المرقسية، وذلك بسبب خشية الأقباط من حكم الإسلاميين. وعن كواليس مظاهرات 30 يونيو، كشف البابا تواضروس، أنه ذهب مع شيخ الأزهر لمرسى قبل أسبوعين من عزله للاطمئنان على أحوال مصر، ولكن الأخير استخف بتظاهرات 30 يونيو، وقال «إنها ستمر كيوم عادي». تسارعت الأحداث ودخلت القوات المسلحة على خط المواجهة لإنقاذ الوطن، وفى الثالث من يوليو كان البابا تواضروس يتصدر المشهد مع مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية بالدولة، مشاركاً فى عزل الرئيس مرسى وراسماً خريطة الطريق للمستقبل، فجاء المستشار عدلى منصور رئيساً مؤقتاً للحكم، فعادت العلاقة بين القصر والكاتدرائية. زار «منصور» الكاتدرائية لتهنئة البابا بعيد الميلاد المجيد فى مطلع عام 2014 كما قام البابا نفسه بزيارة الرئيس المؤقت لتهنئته على إعداد الدستور وذلك فى قصر الرئاسة، وقام البابا تواضروس بتكريم المستشار عدلى منصور فى الكاتدرائية على المرحلة التى قضاها فى سدة الحكم. أما العلاقة التى جمعت بين البابا تواضروس والرئيس عبد الفتاح السيسى فتميزت بطبيعة خاصة جداً، فالعلاقة بين «تواضروس» و«السيسى» تذكرنا بالعلاقة التى جمعت بين البابا كيرلس السادس والرئيس جمال عبد الناصر، فالمشاهد متقاربة والعلاقة الحميمية متشابهة. توطدت العلاقات وتبادلت الزيارات والاتصالات الهاتفية بين البابا والسيسى وهى العلاقة التى ترسخت منذ 3 يوليو 2013 وقت أن كان الرئيس وزيراً للدفاع وهو اللقاء الأول بين البابا والرئيس وعقب فوزه بالرئاسة زادت متانة العلاقة، التى ترجمها الرئيس السيسى فى حضور قداس عيد الميلاد، الذى حولها لعادة رئاسية. وفى زيارة تاريخية أيضا، ولأول مرة رئيس جمهورية مصر يجتمع برؤساء الطوائف المسيحية الموجودة على ارض مصر، وهذا يعطى فكرة لرؤية السيد الرئيس للمصريين كلهم، قال البابا حول هذا الأمر: «سيادة الرئيس استمع جيداً لكل ما قيل فقد تحدثنا فى جلسة محبة عن كل شىء عن الوضع الحالى فى المنطقة وما يتعرض له إخواننا فى دول عربية كثيرة وتحدثنا عن دورنا كمصريين ودور المصرى فى الاقتصاد وفى التعليم وفى الإعلام». أما عن الدور الرعوى له مع الشباب، فحرص البابا على فتح مجال الحوار لتقارب وجهات النظر من خلال اللقاءات الدورية التى يعقدها مع شباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؛ للرد على أسئلة واستفسارات الشباب حول كافة القضايا التى تشغل الرأى العام بالكنيسة، وقد جاءت هذه اللقاءات تحت عدة شعارات مختلفة كلها تشير إلى استيعاب البابا لحرية واحترام فكر الشباب. واستغل البابا عملية الأيقنة التى تمر بها الكنيسة الكُبرى بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكسية بالعباسية، ليزور أكبر قدر ممكن من الكنائس القبطية الأرثوذكسية وذلك فى إطار احترافه لخدمة الافتقاد والتى تعتبر الركيزة الأساسية التى تقوم عليها الخدمة فى الكنيسة، تنفيذًا لتعاليم الإنجيل: «َأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ». ووعد البابا تواضروس الثانى منذ عام 2012، بعمل لقاء أسبوعى للشعب فى شكل يوم كامل مفتوح للقاء الشعب قائلاً: «ناخد بركة الناس». ونجح البابا فعليا فى زيارة عدد كبير من محافظات مصر مثل لعل أبرزها «الأقصر، وأسوان وقنا والمنوفية والغربية ومطروح والبحيرة والجيزة وسوهاج والمنيا والإسكندرية». كما للبابا تواضروس علاقة وطيدة مع الأطفال، منذ أن كان أسقفا، حيث أطلق البابا تواضروس الثانى حلقات وفيديوهات يروى خلالها القصص القصيرة المُفيدة والتى تُفيد عموم الشعب والتى خص بها الأطفال نتيجة احترافه فى التعامل مع الأطفال نظير توليه مسئولية لجنة الطفولة بأسقفية الشباب الأقباط الأرثوذكس، أثناء مروره بفترة الأسقفية كأسقف عام للبحيرة. ويعتبر البابا تواضروس، من أشد المنادين بالوحدة ومفهومها أن تُصبح الكنائس فى مصر لها قلب واحد، حيث سارت على منوال البابا الراحل تواضروس الثاني، والذى كلف الأنبا بيشوى مُطران دمياط وكفر الشيخ والبراري، بعمل عدة جلسات نقاشية مع الكنائس الأخرى فى إطار السعى لوحدة الكنائس. نجح البابا تواضروس فى كسب أمور سياسية وقوانين فى صالح الأقباط خلال توليه المسئولية، حيث نجح فى صدور قانون بناء الكنائس، فضلا عن لائحة الأحوال الشخصية وعمل على توسيع المجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية، وإعادة هيكلة المجلس، الأمر الذى دفع البابا للتصريح حول مشاكل الزواج قائلا إن «عبارة الكنيسة ظلمتنى قاسية ولن أسمح أن اسمعها مجددًا أو يشعر بها أحد مرة ثانية». وبناء عليه أعاد البابا تواضروس الثاني، هيكلة المجلس الإكليريكى المنوط بت فى تصاريح الانفصال ومنح تصاريح الزواج الثانى للأقباط، حيث قسم البابا تواضروس المجالس الاكليريكية إلى 6 مجالس داخل وخارج مصر. ومنذ أن أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى عن بناء أكبر كاتدرائية فى الشرق الأوسط، حرص البابا تواضروس على أن تكون هذه الكاتدرائية رسالة حية وواقعية للعالم كله ومنارة للتعايش المشترك فى مصر، كشف البابا تواضروس فى تصريحاته وقتها أن شعوره أثناء افتتاح المرحلة الأولى لكاتدرائية «ميلاد المسيح» بالعاصمة الإدارية الجديدة كان فى سرور، وقال: «شعرت بسرور داخلى حينما تحقق وعد الرئيس السيسى بافتتاح الكاتدرائية الجديدة بعد عام فقط، وهذا يعد إعجازا وانجازا حقيقيًا، وأيضاً رأيت فرحة الرئيس السيسى بها». وأكد البابا فى تصريحات خاصة ل«روزاليوسف»: أن المحبة التاريخية التى تجمع بين الشعب المصرى هى سر الوحدة والتماسك التى هى أهم قيمة فى حياتنا طوال قرون، وقال: «رغم أن هناك أحداثا متفرقة ومؤلمة وهدفها زعزعة هذا التماسك المدهش والعميق، إلا أن مصر بحضارتها واحتضانها للأديان تطرد باستمرار أى تفرقة أو مشاعر سلبية او احتقان يريده أعداء الوطن، لأن بلادنا تقدم درساً ورسالة قوية لدول العالم فى المحبة والسلام الناتج عن التماسك الشعبى». نجح البابا الإدارى فى ترتيب البيت من الداخل والذى كان شعاره منذ أن تولى البطريركية، حيث ترك بصمته الكنسية والدينية فى قلوب الأقباط من خلال عدة قرارات مهمة اتخذها البطريرك على مدار 7 سنوات، تنظيم الهيكل التنظيمى للكنيسة وترميم الكاتدرائية، ووضع لائحة انتحاب البطريرك، والاعتراف بالأديرة لم تكن قد اعترفت بها قبلًا، سيامة اساقفة جدد أكثر من30 أسقفا، و تجديد طريقة صنع الميرون، وإقامة المشروعات الكنسية من مستشفيات ومدارس والتى أوكل إدارتها للنشيطة والقيادية بربارة سليمان. وكان قد ولد البابا تواضروس فى 4 نوفمبر عام 1952، وهو اليوم ذاته الذى تم فيه وقوع القرعة عليه لاختياره للبطريركية عام 2012. فى طفولته وحتى بلغ ال19 عامًا تنقلت أسرته فى المعيشة ما بين المنصورة وسوهاج ودمنهوروالإسكندرية، بدأ الخدمة فى كنيسة الملاك الأثرية بدمنهور منذ عام 1968، وكان قداسة البابا شنودة الثالث يذهب لها كل فترة ويقضى فيها أسبوعا كاملا وقت أن كان أسقفًا للتعليم. حصل البابا تواضروس على بكالوريوس الصيدلة بجامعة الإسكندرية عام 1975 بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف، وكانت هواية البابا منذ الصغر هى «القراءة»، وكان يحب التصوير الفوتوغرافي. سيم البابا تواضروس شماسًا بدرجة أغنسطس فى 27 سبتمبر عام 1975 بيد الأنبا باخوميوس، وحصل على بكالوريوس الكلية الإكليريكية من إكليريكية الإسكندرية عام 1983، ودرس دراسات عُليا فى الهندسة الصيدلية فى جامعة الإسكندرية، وعمل كصيدلى تابع لمؤسسات وزارة الصحة، حتى كانت آخر وظيفة له قبل الرهبنة مديرًا لمصنع أدوية تابع للوزارة بدمنهور. «البابا تواضروس».. عاصَر بداية حبرية البابا كيرلس السادس وهو فى المرحلة الأولى الابتدائية، وعاصر بداية حبرية البابا شنودة الثالث وهو فى أول المرحلة الجامعية، كما أنه من عائلة كهنوتية، سواء قبل حصوله على الكهنوت أو بعده. التحق البابا بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، فى عام 1986 عقب فترة عمل حكومى بلغت عشرة أعوام وعشرة شهور وعشرة أيام، وظل طالب رهبنة عامين بالدير حتى تمت سيامته راهبًا فى 31 يوليو عام 1988، وكان البابا شنودة هو الذى اختار له اسم «ثيودور»، وعقب الرهبنة أصبح مسئولًا عن استقبال الزوار بالدير، وسيم قسًا فى 23 ديسمبر عام 1989. ولأن البابا تواضروس يعد أبرز تلاميذ الأنبا باخوميوس، مطران دمنهوروالبحيرة والخمس مدن الغربية، فقد انتقل للخدمة بمحافظة البحيرة فى عام 1990.