لم تقتصر علاقات الحب على الشكل المتعارف عليه بين الرجل والمرأة ولا على شكل المشاعر الإنسانية بمفهومها الدارج بين الناس، بل هناك حب أسمى وقد يكون أعنف؛ عشق الأرض والوطن فى مونودراما الحكى سرد الفنان غنام غنام قصصا متفرقة عن تهجيره وأهله من أرضهم الأم فلسطين وكيف عانى أبوه وأمه وأخوته من آلام الهجر والفراق فأخوه الأكبر تركهم بسبب الملاحقات السياسية وهاجر إلى بلاد بعيدة تشتت بين البلدان إلى أن عاد إليهم جثة هامدة، ثم تشتتهم كعائلة مترابطة وخروجهم من بلدتهم كفر عانة واستقرارهم بجرش بالأردن ثم كان ولا يزال يراودهم حلم العودة والبقاء فى الأرض. تجسيد رائع للحياة الواقعية قدمه غنام بأدائه التمثيلى فى استحضاره لشخصيات عاشرها على اختلاف طبيعة علاقته بهم والده والدته أخوته وأصدقائه قصص لا نعلم عنها شيئا، فى ساحة الهناجر الخارجية المفتوحة فى افتتاح أيام القاهرة للمونودراما تحرر غنام من تقاليد المسرح واختار مساحته الخاصة التى يروى فيها لنا تجربته الإنسانية قصص الحب والفراق من أرض الوطن فى جلسة حميمة بين الجمهور يحكى ويروى بدفء ومشاعر حزن وشوق وألم ذكريات الهجرة التى لم تخل من تعليقات كوميدية مؤلمة ومضحكة فى ذات الوقت أخذ يمثل ويتقمص ويستحضر شخصيات غائبة يستغل كرسيه لمعاونته على تجسيد الأحداث التى مر بها وهكذا انقلب المسرح إلى واقع كتب منه قصص متفرقة لعمل مسرحى ربما لم يصل لخيال المؤلفين فمهما كان حجم الخيال لن يستطيع تصوير الواقع الذى عاشه وحكاه غنام. رحلة شقاء ومعاناة كبيرة عاشها ومازال يعيشها حتى اليوم ووصل الأمر إلى أنه تخيل لحظة موته وكيف سينعيه أصدقاؤه؛ بين الرثاء والسخرية تخيل الحال الذى سيكون عليه كل صديق وكيف سيرثيه الجميع كل على طريقته الخاصة ودائما تبقى الوصية الكبرى مثل أبيه ومن سبقه أن يكتب على قبره؛ «هنا يرقد أحد ابناء كفر عانة»..انتهى العرض ولم تنته الحكاية وخرج الجمهور متأثرا وباكيا ومهنئا صاحبه على جدارته فى حكى وتصوير واقع غاب عنا؛ ففى المونودراما إما أن تمتلك الجمهور أو يعزف عن متابعتك الحضور؛ هكذا كان غنام مسيطرا متملكا جمهوره حتى آخر لحظة فى العرض ومن فرط براعته لم يشكل له صورة مسرحية مزيفة بل كان الحكى والمعايشة أكثر صدقا فى التعبير عن رحلة عمر لم تتنهي؛ «سأموت فى المنفي» قصة حب وشوق لوطنه المغتصب ورثاء لنفسه يوم يموت بعيدا عن أرضه..!