استضافت مدينة الشارقة بدولة الامارات العربية مؤخرا مهرجان الفن الاسلامى فى دورته العشرين والذى حمل اسم (أثر) كتيمة لهذه الدورة من مهرجان يعرف قيمة الأثر ويسعى ليشكل أثرا فى نفوس متلقيه، ويسعى لتأكيد الهوية العربية الاسلامية فى كل فعالياتها الثقافية، بل فى تفاصيل الحياة اليومية أيضا. لم يكن غريبا على عاصمة الثقافة العربية 2018، أن تأكد أحقيتها بهذا اللقب مع رحيل 2017، نهاية موفقة جدا لعام حافل بفاعليات منوعة أدارتها المؤسسات الثقافية بشارقة الإمارات، نورا يمتد من قلب الشارقة لكل أطراف العالم . حرص المهرجان على دعوة فنانين من كل أرجاء العالم ليرصد أثر ثقافتنا العربية الاسلامية، تلك التى أنارت ظلمات العصور الوسطى الأوروبية ونقلت ثقافة ووعيًا وفلسفات ظهر فيها تبادل الحضارات لدور الريادة . من قراءات علماء المسلمين العرب لقامات اليونان كانت إضافات فلاسفتنا وعلمائنا التى نقلت العلم من مساحة الثبات لتجليات الحركة والانجاز، لم يكن غريبا أن يتصدر تمثال ابن رشد واجهات الجامعات الأوروبية فى إشارة امتنان لدور الثقافة العربية فى النهضة الأوروبية الحديثة . وعودة لمهرجان أثار شجون ماضٍ عظيم، كان للفن فيه مساحة واسعة، من اول جماليات الحرف فى الكتابة إلى حدود صروح العمارة والمآذن التى تخترق الفراغ فى اتجاه السماء . وكأن السماء مبتغى الحضارة الاسلامية تنطلق على الأرض أهلة تنشر نورا يجلى ظلمات الروح، نورا يشرق من فعله الحياة فى أجمل صورها نباتات تنتشر وتتفرع لتجمل صفحات القرآن وتترك {حتى وهى مرسومة بالحبر الأسود} تترك أثر الأخضر الحى الآتى من زرقة السماء وأصفر نورها معا. مهرجان الفنون الإسلامية فى دورته العشرين والتى تحمل اسم «آثر» والمقام فى الفترة من 13وحتى 23 ديسمبر2017 والذى شارك فيه نحو 42 فناناً ممثلين ل 31 دولة، وجاءت المشاركات على ثلاثة محاور أساسية متمثلة فى المحور الأول:كان المهرجان فى محوره الأول عبارة عن مجموعة من المعارض أقيمت فى قاعات العرض المجهزة بمتحف الشارقة للفنون وبلغ عددها ثلاثون معرضًا فرديًا، المعارض أقيمت فى متحف الشارقة للفنون جاءت المعارض كلها متسقة ومتوافقة مع مفهوم اسم الدورة وضمت مجموعة المعارض بين كل أساليب وتقنيات الفن الإسلامى قديمه وحديثه، إضافة إلى مجموعة من التجارب شديدة الدقة والإغراق فى التفاصيل وتحديداً فى معرضين (معرض معلقة المثلثات الكروية) للفنان النيوزلندى (بيتر ترفيليان) وجاء عمله سلسلة من التركيبات المعمارية الفنية التى تركز على رسم نظم لخلق تركيبات فنية من الخامة الكربونية للقلم الرصاص (سنون نصف ميلى). علاوة على معرض بعنوان (تأملات فى فضاء مقدس) للفنان البريطانى بن جونسون وهو يشارك بمجموعة من اللوحات المرسومة بدقة شديدة لكل من قصر الحمراء بغرناطة وقبة الصخرة بفلسطين باعتبارهما نموذجاً للعمارة الإسلامية ولكن ما يجمعهما أكثر من مجرد هندسة معمارية أو زخارف أو خط عربى، إنما القيم التى تكتنزها القواعد الأساسية للفن الإسلامى بصفة عامة جاءت مشاركة مصر فى متحف الشارقة بأعمال غاية فى الروعة والدقة للفنان المصرى الشاب (بيتر وجيه ) تحت عنوان (ابتهالات ضوئية) قدم بيتر مجموعة مميزة من لوحات الزجاج المعشق بمادتى الجص والزجاج الملون بدلالات لونية وشكلية مميزة كما جاءت المشاركات العربية فى المتحف غاية فى التنوع حيث قدمت الفنانة السعودية سارة العبدلى معرضًا بعنوان (مسار الذهب) والتى صنعت من خلاله متاهة أرضية بلا أسوار وغطت جدران القاعة بالكامل بالمرايا وهو ما يتيح لجمهور التلقى التفكير فى غياهب وأسرار وظاهر التجربة وكأنه «الصراط» فى الفكر الإسلامى أما المشاركة الإمارتية فمثلتها الفنانة الكبيرة نجاة مكى تحت مسمى (رفرفات صوت بصرية) والفنان عمار العطار (بمعرض صلاة) والفنانة زينب الهاشمى (التحول المعدنى) والفنان خالد شعفار قدم معرض (أنستليشن) تحت عنوان (حفل استقبال زفافى). وجاء المحور الثانى متضمنًا مجموعة الأعمال الميدانية والجدارية فى واجهة المجاز المائية، إضافة جدارية القصباء ومبنى الأوقاف ومعرض الفنان تيمو ناصرى بالتعاون مع مؤسسة مرايا للفنون، - وقد قدمت مصر جدارية تحت عنوان (تجليات جرافتيتى) على مساحة 35 متراً فى ممشى، القصباء وهو أهم مكان للتنزه فى الشارقة العمل جاء يجمع بين التصوير الجدارى والخط العربى فى منظومة بصرية وحبكة تشكيلية أكدت على فكرة المعرض أثر حيث استخدم فى الجدارية أثر الفن الإسلامى فى المعاش المصرى وهى مساحات من الخيامية باعتبارها من أهم رموز الفن الإسلامى كما استخدم الفنان/ محمد عبدالعزيز شطر بيت شعر لسمو الشيخ/ سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة وهو (إن تسمو بالروح ففى العليا تكن) وصاغها بمعالجة خطية مميزة مثل مصر فى هذه الجدارية الفنان/ محمد عبدالعزيز وكاتب هذه السطور أما واجهة المجاز المائية فضمت عملًا بعنوان (؛الجناح المزهر) للفنانين (أدن شان وستانلى سيو) من هونج كونج وهو عبارة عن قبة سماوية ضخمة مفرغة بأشكار إسلامية وفق أنماط الأرابيسك والتى أوحت لهم بها مشغولات العالم الإسلامى من السجاد كما كان للمعماريين (تشوى وشاين) من الولاياتالمتحدةالأمريكية بالغ الأثر فى عملهما الفنى المسمى (المسجد الطائر) كما شهد مبنى وزارة الأوقاف بالشارقة عمل جدارى للفرنسى «زيفا» كما ضمت قاعة العرض بمركز مرايا للفنون معرضًا غاية فى التميز للفنان (تيمو ناصرى) ألمانيا تحت عنوان الحروف بين النجوم والتى يطرح من خلاله ناصرى نظريته حول إيجاد ابن مقلة الخطاط العربى تلك الأحرف فى كوكبة من النجوم ومن أجل العثور عليها يعيد ناصرى بناء النجوم فوق بغداد مستخدماً أدوات القياس الفلكية فى تلك الفترة. أما المحور الثالث والأخير فتمثل فى معارض الخط فى ساحة الخط حيث استضافت قاعات بيوت الخطاطين أعمال مجموعة من أهم الخطاطين فى الوطن العربى منهم:عثمان وقيع الله – السودان، مثنى العبيدى – العراق، محمد رضا بلال – سوريا، محمد بستانى – المغرب، تاج السرحن – السودان، يسرى المملوك – مصر، خالد الساعى – سوريا، إضافة إلى الورش التى قام بها الخطاطون.