وقفت المرأة بعد أن اطمأنت علي استقرار الكرسي المتحرك الذي يجلس عليه ابنها المريض في مكان مناسب، لتزغرد أحيانا وتصفق أحيانا أخري وهي تستمع باهتمام وسعادة بالغين لحسن ناجي الذي وقف في ميدان البساتين يغني العديد من أغاني الوادي الجديد التراثية في احتفالية "الفن ميدان" التي أقامها ائتلاف الثقافة المستقلة بالواحات الخارجة، بعد إفطار يوم السبت الماضي للشهر التالي علي التوالي، وبتنسيق مجدي معاذ مدير جمعية "أصدقاء السائح" والشاعر مصطفي معاذ رئيس جمعية "إحياء التراث"، ورعاية رجل الأعمال محمد بكير. المرأة لم تكن تعلم عن الاحتفالية أي شيء، فقط كانت متجهة إلي بيتها الواقع آخر البلد بعد أن أحضرت الدواء لابنها، وإذا بها تري المغني الشعبي المشهور فتوقفت لتستمع إليه وهو يغني "حنيني يا أمه حنيني..لاتشخلع وأكمل ديني..حنيني بعود السليسي..اتحني أنا وعريسي"، وحسن ناجي هو مدير فرقة الفنون الشعبية بقصر ثقافة الواحات الخارجة ويملك في الوقت ذاته فرقة مستقلة مازالت تحيي أفراح "الواحاتيين" برغم اكتساح "الدي جيهات" لأفراح المصريين. والطفل محمد إسماعيل مخلوف الذاهب إلي الصف الثالث الإعدادي يفاجئ الحضور، فيلقي عليهم بصوت واثق لا يتردد قصيدة الأصمعي "صوت صفير البلبل"، تلك القصيدة الشهيرة والصعبة التي قرر الملك أبو جعفر المنصور في أزمان سابقة أن يمنح القادر علي حفظها جائزة، وإذا بشاب من الحضور يرتدي "تريننج" يرددها معه دون أن يخطئ هو الآخر، والفتيات الواقفات القريبات من الطفل يزغردن فرحا به، ويقبلنه بعد أن انتهي، وطفلة صغيرة تغني "يا بلادي يا بلادي أنا بحبك يا بلادي" علي صوت ناي العازف إسماعيل مخلوف، وشابان يقرران أن يقطعا ترددهما فينضما للاحتفالية. الاحتفالية شهدت معرضا للكتب أقامه قصر ثقافة الخارجة، وفيه تم عرض عدد متنوع من الكتب مثل رواية "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس و"قصة الأدب في العالم" للدكتور زكي نجيب محمود، و"الخطاب الروائي عند غسان كنفاني" و"سرادقات من ورق" للدكتور صبري حافظ وغيرها، كما شهدت معرضا للفنون التشكيلية ومنحوتات أخشاب الدوم علي شكل زير ومركب فرعوني ومصنوعات فخار وخوص وغيرها. أما ورشة رسم الأطفال، فكانت الأبرز لإقبال الأطفال الكبير عليها، وفيها رسم الأطفال لوحات تحمل موضوعات تعبر عن طبيعة البيئة التي يعيشون فيها، فرسموا أشجار نخيل وأهرامات وبيوتًا بقباب وغيرها، تحت إشراف عيد مسلم، مشرف النشاط الفني بقصر الثقافة الذي أكد أن لوحات الأطفال ستدخل مسابقة تعلن نتيجتها في احتفالية الشهر القادم. الاحتفالية بشكل عام لم تشهد إقبالا كبيرا، برغم إقامتها وسط المدينة، ووفق ما قاله مجدي معاذ، فقد اقترح علي مسئولي ائتلاف الثقافة المستقلة إقامتها يوم الخميس بدلا من يوم السبت بما يتناسب مع طبيعة معيشة أهل الواحات.