حالة الفوضى فى الفتوى جعلت علماء العالم الإسلامى فى حالة من الخوف على مستقبل الأمة حيث سمحت تلك الفوضى بظهور الفتاوى الشاذة، وفتاوى التطرف التى تساعد جماعات الإرهاب على العلم والانتشار فى مجتمعاتنا، وهو ما جعلهم يؤيدون مقترح توحيد الفتوى من خلال المؤسسات الدينية فى العالم الإسلامى وان تكون هناك فتوى موحدة فى القضايا العامة، بالاضافة إلى فرض تشريعات منع غير المتخصصين من الفتوى. ففى البداية يطالب د. محمد عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى بضرورة التنسيق بين الدول لتوحيد الفتوى ما أمكن الحال لأنه كلما اتحد حكم الشريعة فى نظر المجتهدين بما تسمه الحاجة كلما كان ذلك أكثر تأثيرا. وشدد العيسى على خطورة تناقد الفتوى بين المجامع الفقهية بما يؤدى إلى التشويش والمساس بمسعة لإسلام، وطالب بضرورة تجريم الخلاف على فتوى الإمام أو هيئة الافتاء فى الدولة حتى لا تتاح الفرصة للأهواء، مع بقاء السعة فى أروقة العلم للمناقشة. كما أكد على ضرورة أن يكون هناك تصريح لإصدار أى فتوى حيث أن شرع الله أولى بالمراقبة، وحمايته، مشيرا إلى أن فتاوى المهجر لابد أن يؤخذ فيها بمآلات الأقليات، وعلى المفتى أن يأخذ بالحلول الشرعية. وحذر من مسألة الأخذ الدائم بسد الذرائع بما يشدد على الناس حياتهم، حيث لابد من الموازنة بين الواقع والمقصد الشرعى مع مراعاة التخفيف. من جهته يرى د. أحمد عطية وزير الأوقاف اليمنى أن ما نعانى منه اليوم هو ظهور فتاوى تكفير ثم تتحول لفتاوى تفجير وتدمير، وقال: «لقد صارت كثير من الفتاوى وبالا على الأمة، مع أننا نريد الفتاوى التى تنقذ الأمة من الغرق وتحافظ على الدماء والكيان الإسلامى الموحد، فخطف الطائرات حرام، واحتلال الشعوب حرام، وزعزعة أمن الأمة واستقرارها حرام. وشدد على أهمية الوقوف ضد الفتاوى المتفلتة التى تنقص من قدر الإسلام، ولا تجعله دينا عالميا كبيرا يسع العالم بأسره. وألمح عطية إلى أن الإرهاب المبنى على الفتوى ينفر من دين الله ويجعل من الشباب قنابل موقوتة تنفجر فى صدور الشعوب، وإذا كانت فتاوى الإرهاب اليوم التى تؤصل للتدمير والتفجير فيجب أن نواجه الإرهاب ونمنع أن تكون الفتوى مصدرا للإرهاب. كما شدد على خطورة احتكار الدين بإصدار فتاوى لا علاقة لها بالإسلام والتمسك بها لتصدير الفكر المتطرف، معتبرا أن مواجهة ذلك يكون بعودة الإجماع فى الفتوى وقال: «إن من احتكر الدين بفتاوى مخالفة تؤدى للإرهاب فهو ملعون، ولا بد وأن تتوحد رؤية المفتين فى عالمنا العربى على رؤية شاملة واحدة فى الفتوى». فيما يؤكد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، إنه من المبكى ما تشهده البلاد من تصدُّر رجال بل تيارات تنظِّر لفتاوى تخلق انقسامات بغيضة بين أبناء الوطن الواحد، وتؤصِّل لثقافة الكراهية والعنف والتطرف، وتؤكد فكر الإقصاء، مؤكدا أنه من البلاء أن يرجع فى أمور الناس إلى أهل العلم الزائف أو العلم المدعى أو من ينسبون إلى العلم اسمًا فقط، مشيرا إلى أن الشرع الحنيف يأمر باحترام التخصص. ولفت إلى أن كتب الشريعة الإسلامية لا توجد بها فتوى شاذة كتلك التى تبيح نكاح البهائم، قائلًا: «أتحدى أن يكون فى كتب تراثنا التى تُحَارب كل يوم أن يقول فقيه أو متفقه بجواز نكاح البهائم». وأضاف قائلًا ربما يسأل البعض عن وطء البهائم هل هو زنا فتكون الإجابة «لا» فيفهم هو من الإجابة أنه مباح، على الرغم من أنه حرام ولو لم يكن زنا. وأشار شومان إلى أن اللواط لم يقل بحله إلا الشواذ المنحرفين، ولكنه ليس من الزنا ولا يعنى ذلك أنه حلال، ولا ينبغى تداول مثل هذه الفتاوى وتناقلها بين الناس، لأنها تنشر القلاقل فى المجتمعات، ولا تساعد على استقرارها. وأشار شومان أيضا إلى إحدى الفتاوى الشاذة التى انتشرت وهى فتوى نكاح الزوجة بعد موتها، وقال: «كيف يفتى أحد بمعاشرة المرأة بعد وفاتها فقد أنهى الله العلاقة بين المرأة وزوجها بانتهاء حياتها، فهذا مخالف لأنه جمع بين أحكام الموت والحياة فى وقت واحد. وأكد الدكتور عباس شومان ضرورة أن تصدر الفتاوى التى تتعلق بعموم المجتمعات من خلال جهات رسمية متخصصة، مطالبا مجلس النواب واللجنة الدينية بأن يصدر تشريعًا ينظم الفتوى ويحدد مصدرها، ومواصفات المفتى اختصاصاته، وعقوبات رادعة ترد على المخالفين، إن أردنا القضاء الحقيقى على عشوائية الفتوى فى المجتمع المصرى. فيما يرى الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الفتوى اُستخدمت رأس حربة لأدّعياء الدين، مضيفًا أن الفتوى الشاذة تجافى العقل فضلًا عن أنها لا تتسم بروح الإسلام الذى حكم العالم بأسرة فى يوم من الأيام أيام الصحابة والتابعين وعصور الازدهار. وأضاف أن الفتوى تمت اختطافها من مؤسسات الفتوى وعلماء الشريعة المناط بهم إصدار الفتاوى فى تصدر المشهد، مما أدى إلى كل هذا الخلل الذى نراه الآن. وأشار الدكتور الجندى إلى أنه لابد للمفتى أن يكون عالمًا بالواقع المعاش، فلا يكفى علم الرواية بل لابد من علم الدراية معه. وأرجع أسباب ظهور الفتاوى الشاذة نتيجة تبنى المتطرفين إسلام مغلوطا مخالفا للإسلام الصحيح قائم على استقطاب الشباب بأفكار الشهادة والحور العين والجهاد. واختتم الدكتور الجندى كلمته بضرورة إسناد الفتاوى العامة والمصيرية إلى الجهات ذات الرصيد الشرعى والفقهى.