«هذى إن أردت قصائدى.. تنداح من مسراك.. بين دمائى الحرى.. تفتش عن مدار فى عيونك.. علها إذا تغمضين بلا انتباه.. تستقر بجفنك المرتاح»، عنون قصيدته هذه ب«فتنة» بعدما وضع إهداءه إلى المتعبين بإخلاصهم وإلى المغنيين السرمديين، وأوصى حبيبته فى نهاية سطوره بألا تجزع من ذهوله عنها فهو يؤمن أنها وحده من تفهم اللغة، وهكذا فى 18 قصيدة بين الحب والرحيل صدرت مؤخرا ديوان «غرقى بنهر ماؤه ضحل» للشاعر محمد حمد أبو السعود، عن سلسلة إشراقات جديدة التابعة للهيئة العامة للكتاب، والذى صدر له من قبل ديوانا «وأبيضت عيناه» و«للفَرَاش دمٌ»، وتصدر له قريبًا المجموعة القصصية «جنةُ الرجال»، عن دار البندقية للنشر والتوزيع، الديوان جاء فى 144 صفحة من القطع المتوسط واحتوى على 18 قصيدة. وقالت عنه د. عايدى على جمعة، أستاذ الأدب والنقد فى دراسة لها عنه: «أول ما يلفت النظر فى هذا الديوان، هو الجانب الموسيقى فيه، حيث تنتمى معظم قصائده إلى شعر التفعيلة، وينتمى الجانب الأقل منه لإلى الشعر العمودى، ومن هنا فإذا كان شعر التفعيلة فى هذا الديوان يمثل النظام فإن الشعر العمودى فيه يمثل صدع النظام، وتسجل البحور الصافية حضور كبيرا.. سواء فى قصائده العمودية أم قصائد التفعيلة». وعن الصوت السارد فى الديوان أكدت «جمعة»، أنه صوت واحد يأخذ سلطة الحكى من بداية القصيدة حتى منتهاها، ولا يعطى الفرصة لصوت آخر فى الأغلب الأعم، سواء كان هذ الصوت الآخر صوتا معارضا أم موافقا، ما جعل الرؤية الواحدة هى المهيمنة عبر قصائد الديوان. وأشارت إلى أننا دائما ما نجد أن الضمير الأول «أنا» فى صورته الفردية هو المهيمن على القصائد ولكنه كثيرا ما يستحضر الضمير الثانى «أنت» وبذا يتم استحضار الحبيبة من خلال هذا الضمير، فتكتمل دائرة الخلق فى هذا العالم. وتضيف أستاذ الأدب والنقد، أنه لضحالة الماء كما جاء فى العنوان وحالة الغرق فى هذا الماء الضحل أثرها الواضح على قصائد هذا الديوان، مما جعل أجواء عالم الموت تتسرب إلى قصائده بوضوح شديد، كما تتسرب النماذج الأصلية التى صدرتها حضارتنا للعالم، فأطلت أسطورة إيزيس وأوزوريس ممثلة صدى يتردد فى هذا الديوان، وبذا فإن غياب الخصوبة والحيوية عن هذا العالم لا نعدم صداه عبر هذه القصائد. وتتابع: «ومما يلفت النظر فى هذا الديوان العلاقات التركيبية فيه، فهى لا تسجل انحرافات حادة أو حالة من تشظى النص أو تفجيره سواء فى العلاقات بين الكلمات فى الجمل أم فى العلاقات بين الجمل المكونة للكتلة النصية فى الديوان. وأوضحت جمعة، أن الشاعر أحيانا يبدأ القصيدة بحرف عطف ما يعطى للمتلقى دافعا لعملية إنتاج ما قبل حرف العطف، مثلما قال فى إحدى قصائده: أو كالتى مرت على جسدي.. وصارت كالرماد، فبداية القصيدة بحرف العطف يحرك ذهن المتلقى إلى المعطوف عليه، ولكنه غير موجود، ما يحفزه على إنتاجه، وتتشكل عملية الإنتاج من خلال التصورات العامة فى ذهن المتلقي، وبمعنى آخر إذا كانت القصيدة تمثل بيتا مسكونا، فإن المحذوف منها يمثل الحديقة التى تمثل بدورها رئة ومتنفسا لهذا البيت. ونوهت د. عايدى إلى أن الرؤية العامة تتحدد فى هذا الديوان من خلال توجه الذات الشاعرة لحبيبة يبدو عدم التجاوب التام بينهما هو السمة المهيمنة، سواء كان غياب هذا التجاوب نتيجة الزيف الذى يضرب بجذوره فى قلب بنى البشر، أم كان نتيجة عوامل قدرية لا فكاك منها ما يجعل هذا الديوان يكرس لثيمة غياب الخصوبة والحيوية عن عالمنا المعاصر، ويكرس لحالة الضحالة العامة التى يغرق فيها أبناء هذا العصر.