عبير الحلوجى تنهدت بقوة بينما تنظر أمامها إلي ساعة الحائط وهي ذاهبة لتنهي أعمال المطبخ بعد أن اطمئنت لنوم كل من في البيت، فإذا بها الواحدة بعد منتصف الليل لم تنته بعد فأمامها علي الأقل نصف ساعة لتخلد للنوم، عليها أن تستيقظ مبكرًا لكي تبدأ يومها بعد نزول طفليها للمدرسة حيث تسرع لتنتهي من تجهيز الغداء قبل أن تذهب إلي عملها. كل ما يشغلها أنها ستذهب للنوم متأخرة، أمامها وقت آخر حتي يتسلل النوم لعينيها، تذوب كل متاعبها في تلك الدقائق المعدودة حيث تسبح في عالم من الخيال، عادة اكتسبتها منذ كانت طفلة كلما رغبت في شيء ولم يتحقق أتت به بل وبأفضل في أحلام يقظتها، ونسجت بخيالها عالمًا ورديًا هي أميرته. لازمها الخيال في صباها، فهي متوسطة الجمال والحال، لكنها كانت الأجمل في ليلة، الأكثر تفوقًا في ليلة أخري وتوالت الشخصيات التي رسمتها لنفسها، ثم استمرت علي هذه الحال حتي التقت بشريك الحياة. الواقع في ذلك الوقت أجمل من الخيال؛ فتلاشت عادتها، أو كادت. أخيرًا ستحصل علي كل ما تمنت في دنيا الواقع لا الأحلام. بمرور الأيام تغلغلت متاعب الحياة فانفصلت عن الواقع الذي تعيشه بحثًا عن قليل من الرومانسية في زمن يعتبرها ترفًا ورفاهية، لا تقوي علي المطالبة بها في واقعها، فزوجها رقيق الحال تلتمس له الأعذار وتلومه في ذات الوقت. لا تطلب الكثير، تكفي كلمة لا يسمعها إياها، تأمل في لمسة حانية لا تحسها منه. هكذا وجدت السلوي في العادة القديمة، استرجعتها بقوة، خصصت لها ما يقرب من نصف الساعة كل يوم قبل أن تنام ويغلبها النعاس. تنوعت الأحلام فكل يوم له مشاكله وكل ما يتعثر حله له حلم؛ وبافتقادها الدفء بدأ يسحبها الخيال إلي البطل الذي تجتمع فيه كل ما تمنت امرأة أو رغبت. الآن يؤرقها زوجها فكيف تلتقي بالفارس وهي زوجة؟ فليبدأ الحلم بموت الزوج، ثم اللقاء والارتباط والحياة المفعمة بالراحة والشاعرية. استمرت علي حالها سنوات لم تتمكن خلالها من تخيل ملامح واضحة لوجه رفيق أحلامها. رن جرس المنبه، التفتت لزوجها تحاول إيقاظه فلم يستجب. كررت المحاولة، كاد قلبها يتوقف وشهقت عندما اكتشفت أنه فارق الحياة. لازمتها الحسرة، لامت نفسها علي حلمها، أحست أنها ارتكبت جرما وأن أحلامها قادتها رغبتها الدفينة في الانطلاق؛ فسيطر عليها الندم. كرهت الخيال ونفرت من أحلامها التي طالما حالت بينها وبين الاستمتاع بمباهج الواقع وإن كانت قليلة؛ فكل اهتمامها انصب علي إنهاء أيامها بكل ما فيها حتي تصل إلي أحب الأوقات دقائق السلوي المنشودة التي أدمنتها. أفاقت من الأوهام، نظرت حولها لتجد نفسها وحيدة وقد تسرب من بين يديها العمر، تمنت أن يعود الزمن لتعيش الواقع. حلق طائر الخيال في إحدي الليالي الهادئة يداعب أفكارها من جديد. ما أحوجها للخيال بعد أن ذاقت طعم المرارة الحقيقية بلا شريك، وإذا بها تري الفارس يقترب ولأول مرة تدرك ملامحه واضحة واستطاعت أن تميز وجهه.