صدر حديثًا عن دار المحروسة للنشر والتوزيع طبعة جديدة ومنقحة من كتاب «تركيا بين الدولة الدينية والدولة المدنية – الصراع الثقافى فى تركيا»، تأليف الباحث الألمانى راينر هيرمان وترجمه إلى العربية علا عادل. هذا الكتاب يتناول ما شهدته تركيا بدءا من العقدين الماضيين من تغيرات جذرية وتحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية. يعكس الكتاب «صراع تركيا مع نفسها»؛ إذ تتسم خطوط الصراع بين العلمانية والإسلام السياسى بعَلاقة تداخلٍ ملحوظة، بل التباس حقيقى، تضع تركيا دومًا على المحك، وتنذر بانقلاب الأوضاع فى أى وقت؛ يقول المؤلف «ويمكننا أن نميز من النظرة الأولى بين كلا المعسكرين من خلال أساليب حياتيهما؛ إذ يريد أحد المعسكرين إبعاد كل شكل من أشكال التدين من الرؤية العلنية، بينما يؤمن المعسكر الآخر -على الملأ- بالإسلام جزءًا من هُوِيَّته الثقافية»، ومن هنا تبرز إشكالية الدولة التركية الحديثة التى يناقشها كتاب الباحث الألمانى المعروف راينر هيرمان؛ حيث يلقى الكاتب الضوء على بدايات التحول السياسى والاقتصادى والاجتماعى الجديد فى تركيا فى السنوات الأخيرة. كما يبرز هيرمان فى كتابه دور الجيش، والذى دعَّم مصطفى كمال أتاتورك أركان سلطته السياسية، واتخذه بمثابة «المظلة الواقية» لحماية هُوِيَّة الدولة العلمانية، والتى نص عليها الدستور، بل ويمكن للجيش -طبقًا للدستور الذى سعى أردوغان لتغييره- التدخل فى أى لحظة لتنفيذ انقلابٍ فى سبيل حماية تلك الهُوِيَّة، فطبقًا للمادة رقم 35 من الدستور التركى «واجب القوات المسلحة هو حماية الوطن التركى والجمهورية التركية التى أقرَّها الدستور ومراقبتهما بحرص». وبناء على هذه الوضعية الخاصة، فقد نصب الجيش نفسه «وصيًّا» يحق له التدخل سياسيًّا فى حال استشعار الخطر على الجمهورية العلمانية؛ وهذا ما حدث فى انقلابات 1960، و1971، و1980، بل جاءت الإطاحة بحكومة الإسلامى نجم الدين أربكان من قِبَل الجيش بسبب توصيات 28 فبراير 1997؛ حيث يمكن -بمجرد إلقاء التصريحات من القيادة العسكرية- تعبئة الرأى العام وتحريك النبض للوصول إلى الهدف المنشود. ويشير الكاتب إلى أن هذا الحضور الطاغى للجيش قل تدريجيًا فى العقدين الماضيين ولكنه مازال مؤثر وفاعل، إلا ان النمو الاقتصادى والتطور المجتمعى.