هاهم العديد من الكتّاب والمبدعين يدخلون معترك الحياة السياسية بشكلها المباشر، بانضمامهم لعضوية عدد من الأحزاب التي نشأت حديثا، يعودون للعمل الحزبي بعد انقطاع دام لسنوات لأسباب إبداعية أو أخري متعلقة بالوضع السياسي العام للبلد، منطلقون من إيمانهم بكون المبدع غير منفصل عن السياسة، وعلي الجانب الآخر هناك من مازالوا ينتظرون أن تتضح خريطة الأحزاب التي أنتجتها ثورة 25 يناير، وآخرون يؤمنون باستقلالية المبدع بعيدا عن العمل السياسي المباشر، وغيرهم يفضلون أن يمارسوا السياسة عن طريق أعمالهم، وهنا نعرض جميع هذه الآراء: الروائي صنع الله إبراهيم أحد مؤسسي حركة "كفاية"، وصاحب الأعمال الروائية التي تتميز بالطابع السياسي، والذي اعتقل أكثر من خمس سنوات من عام 1959 إلي عام 1964، في سياق حملة شنّها الرئيس جمال عبد الناصر ضدّ اليسار، أكد أن الظروف الحالية التي تمر بها مصر، تجعل الناس تتوجه للأحزاب لمباشرة الأنشطة السياسية، وقال: اختياري الانضمام لحزب التحالف الشعبي، لأنه يضم العديد من جماعات اليسار ذات التاريخ الطويل، وله رؤية محددة للعدالة الاجتماعية غير موجودة في أي حزب آخر. وعن عدم اشتراكه في أي من الأحزاب قبل الثورة قال: لم يكن هناك أحزاب حقيقية تستحق أن ننضم لها، وكان معظمها تابعا للسلطة. الروائي فتحي إمبابي الذي سبق له الانضمام لحزب "التجمع" قبل أن يتركه لينضم لحزب "التحالف الشعبي" يري أن الأصل أن يكون المثقفون في أحزاب سياسية أو في تكوينات ثقافية، والمثقف يتشكل علي مفهوم سياسي، وأكد أن العلاقة بين المثقف والسياسة علاقة وطيدة ولهذا يري أن الدول الاستبدادية تكره الثقافة. وعن انضمامه لحزب "التحالف الشعبي" يحكي: كانت الحياة السياسية في الفترة التي سبقت أحداث ثورة 25 يناير، تعاني من جدب شديد وضعف بالغ للأدوات السياسية جعل الكثيرين وأنا منهم بدلا من نتفرج علي الأحداث في الفضائيات ننزل ونشارك من خلال حزب، وانضممت لحزب التجمع إلي أن حدث مأزق بيني وبين قياداته، خاصة حينما أصروا علي دخول الحزب لانتخابات مجلس الشعب السابقة برغم قيامها علي تزوير واضح، فكان أن شكلنا خلال الثورة، نحن الذين نمثل معارضة قوية داخل حزب التجمع، لجنة مركزية وحاولنا إزاحة رئيسه رفعت السعيد وفشلنا، وفي نفس الوقت كانت هناك دعوة وسط المثقفين والنقابات والجماعات السياسية المختلفة التي تنتمي لفكر اليسار بتشكيل حزب يساري اشتراكي يتبني الديمقراطية الاشتراكية وها نحن نمارس عدة فعاليات سياسية. انضم الروائي إبراهيم عبد المجيد إلي الحزب "المصري الديمقراطي الاجتماعي" بعد 26 عاما من الانقطاع عن الأحزاب، يقول: في شبابي في أوائل السبعينيات انضممت لأحد الأحزاب الشيوعية السرية بعنوان "الحزب الشيوعي المصري"، وفي عام 1978 انضممت لحزب علني وهو "حزب التجمع" وظللت فيه حتي عام 1985، وقتها كان انضمامي للأحزاب منطلقًا من رغبتي في التجريب ومتابعة ما يحدث في الدنيا والإيمان بالعدالة الاجتماعية والمساواة، ولكني اكتشفت أن تلك العضوية مكلفة نفسيا وبدنيا وخشيت أن تعطلني عضوية الأحزاب عن الكتابة الإبداعية بعدما وجدت أنني أفكر في السياسة أكثر من تفكيري في الأدب، وتكرّس لدي إحساس أن المبدع حزب وحده. ويكمل عبد المجيد: بعد هذه السنوات ومع الحياة الجديدة التي منحتها لنا ثورة 25 يناير العظيمة وتشكل الأحزاب بعيدا عن سيطرة الدولة، أدركت أهمية أن انضم لحزب أقتنع كالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. أسأله هل يمكن أن يرشح نفسه لعضوية مجلسي الشعب أو الشوري، فقال: صعب جدا أن أتواجد في الحياة السياسية بشكل يومي، ومشاركتي في الحزب ستكون بممارسة الدور الثقافي والاجتماعي بالأساس"، أعود لأسأله عن رأيه في خريطة الأحزاب الجديدة، فيقول: من الجيد أن تظهر هذه الأحزاب مستقلة عن الدولة، والمحك سيكون للزمن الذي يقرر من سيستمر منها ومن ما لن يستمر، وأنا أميل أكثر للأحزاب الليبرالية، كالذي انضممت إليه أو حزب "الأحرار المصريين"، ولا أميل للأحزاب ذات الطابع الديني وإن كانت تنكر ذلك، لأنها ستورط نفسها وتورط المجتمع معها"، أستوضح منه فيقول: هذه الأحزاب لن تسطيع أن تفصل بين الدين والسياسة". الأمر نفسه يؤكده الشاعر عبد الرحمن يوسف، حيث يري أن خريطة الأحزاب المنشأة حديثا غير منظمة وغير واضحة وسيختفي بعضها ويندمج بعضها الأخري وهي ظاهرة طبيعية كما يقول، لكنه في موقفه من عضوية الأحزاب يختلف كليا عن الآراء السابقة، يقول يوسف: أنا عضو استشاري لحزب العدل ولست عضوا فيه، وخلال الفترة القادمة سأكون عضوا في عدة مجالس أمناء ومجالس استشارة لعدة أحزاب أخري، لكنني لن أنضم إليها في شكل عضوية، اسأله عن السبب فيقول: لأني أري أن الكتّاب والمبدعين ينبغي أن يحتفظوا بقدر من الاستقلالية لكي يتمكنوا من تناول الحياة السياسية دون أن يحسبوا علي تيار ضد تيار آخر. أخبره عن تجربة كتّاب جيل الستينيات والسبعينيات من المبدعين في العمل الحزبي فيعلق: تقييمي لهذه التجربة أنها خصمت من المبدعين أكثر مما أضافت لهم، كما انها لم تساهم في ترشيد الحياة السياسية بقدر ما ساهمت في الاستقطاب الذي كان معوقا"، ويستدرك: ليس معني عدم الانضمام للأحزاب أن ينعزل الكاتب في صومعته، فإمكانه أن ينزل الشارع ويختلط مع جميع التيارات دون أن يكون محسوبا علي أي منها، كما أنه ليس معني ذلك ألا يكون للكاتب رأي واتجاه فكري، هذه قناعتي الشخصية وقد تكون صحيحة أو خاطئة". الروائية والطبيبة بسمة عبد العزيز، تحضر اجتماعات الحزب " المصري الديمقراطي الاجتماعي"، لكنها لم تنضم إليه إلي الآن، والسبب كما ترويه: لم أنضم لأي حزب حتي الآن لأنني لم أجد الحزب الذي يناسبني، من ناحية توجهاته في موضوع العدالة الاجتماعية في قطاعات الصحة والتعليم وفي القطاع العام، موقفه من الليبرالية ومن التيارات الدينية"، تري بسمة التي عملت بالسياسة عن طريق الكتابة في دوريات حقوق الانسان وحضور فعاليات حزب "التجمع" والمشاركة في جميع المظاهرات، أن برامج الأحزاب التي تشكلت حديثا ليست قوية بما فيه الكفاية وترجع السبب إلي استعجال هذه الأحزاب أو كما قالت" كربجتها"، لتلحق بالانتخابات، وهي تتوقع أن تزداد هذه البرامج قوة ووضوحا في الرؤية بعد أن تمر الانتخابات القادمة. الشاعر زين العابدين فؤاد يفضل أن يكون قريبا من تيار سياسي عام ولا يكون عضوا بتنظيم معين، فهو يؤمن أن العمل السياسي سلوك عام ويومي يمارس في الحوار اليومي مع الناس وداخلا فيما يكتب، هذا حدث حينما كتب قصيدة "والحرب لسه في أول السكة يوم 7 اكتوبر 1973"، وحدث حينما اتهم بالتحريض علي أحداث كثيرة من خلال أشعاره كما في انتفاضه الخبز الشعبيه في 18و19 يناير ومن قبلها في حركة الطلبه عام 1968 و1972، دون أن ينضم لحزب بعينه، يقول: هذا هو مفهومي للعمل السياسي، لم ينقطع ولم يتغير. الناشرة سمية عامر كانت قد اشتركت في الحزب الشيوعي في ثمانينيات القرن الماضي فوقتها وكما تقول: كنت مثل الشباب الذي يتصور أنه لديه قدرة علي تغيير العالم من خلال عضوية حزب شيوعي"، لكنها الآن لا تفكر جديا في الانضمام لأي من الأحزاب المشكلة حديثا، وتقول أنه ربما عليها الانتظار لتأمل ما يجري قبل أن تقرر الانضمام لأي منها.