كشفت وثائق بنما المسربة مؤخرًا التى تعد أكبر عملية تسريب لوثائق سرية فى تاريخ الصحافة العالمية حيث وصل عددها إلى 11.5 مليون وثيقة لشركة موساك فونسيكا للخدمات القانونية فى بنما التى تملك منظومة مصرفية تجعلها ملاذًا ضريبيًا مغريًا، كشفت عن تورط سياسيين وملوك ورؤساء دول وشخصيات عامة فى شبكات مالية غير مشروعة، وبغض النظر عن ردود فعل روسيا حول صحة تلك الوثائق حيث اعتبرتها مؤامرة بتمويل من أمريكا لتشويه صورة الرئيس الروسى «بوتن» الذى ورد اسمه بتلك الوثائق إلا أن الوثائق تكشف كيف ساعدت شركة موساك الشديدة السرية عملائها على غسيل أموالهم القذرة وأيضًا تهربهم من الضرائب متفادين العقوبات القانونية لمثل هذه الجريمة. الوثائق اكتسبت أهميتها من خلال الاهتمام الإعلامى الهائل بها من قبل كل دول العالم فيما عدا الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث نشرت الصحافة العالمية أبرز الأسماء المتورطة فى هذه القضية أولها رئيس وزراء أيسلندا الذى استقال من منصبه على الفور والرئيس الأرجنتينى ورئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون ووزير الصناعة والسياحة الإسبانى الذى قدم استقالته والرئيس المصرى مبارك وعائلته حيث نشرت الوثائق صورة جواز سفر علاء مبارك مؤكدة امتلاكه لشركة «بان وورلد انفتسمنت» فى جزيرة فيرجينيا البريطانية التى كان يديرها بنك «كريدى سويس» السويسرى وأيضًا وردت أسماء مشاهير الرياضة العالمية أمثال بلاتينى وميسى. أكدت الوثائق أن سويسرا لها النصيب الأكبر فى عدد من المصارف والشركات المالية التى لعبت دورًا كبيرًا فى هذه الفضيحة حيث قال الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين بأن هناك مليونًا و233 وسيطًا ماليًا عملوا فى سويسرا على تأسيس أكثر من 34000 شركة دولية لغسيل الأموال القذرة إلى جانب «هونج كونج» التى أسست 37000 شركة فى هذا المجال. إذن تلك الفضيحة تجرنا للحديث عن جريمة غسيل الأموال التى تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال محرمة لغرض حيازتها أو إيداعها أو الاستثمار فيها أو التلاعب فى قيمتها إذا كانت محصلة من جرائم المخدرات أو الإرهاب أو تهريب الآثار وغيرها ومصادرها عدة منها تجارة المخدرات والتهرب من الضرائب وتزوير النقود والمستندات والتربح من الوظيفة والتجسس والسرقات والاتجار بالسلع الفاسدة. جريمة غسيل الأموال تمر بمراحل عدة أولها إيداع تلك الأموال القذرة فى مؤسسة مالية أو تحويلها إلى عملات أو شراء عقارات يسهل بيعها وتعد أصعب مرحلة للقائمين على هذه الأموال لسهولة اكتشافها لأنها تتضمن كميات كبيرة من الأموال السائلة وثانيها مرحلة التعتيم بفصل الأموال المراد غسلها عن مصدرها غير الشرعى بعمليات مصرفية معقدة بتكرار تحويل الأموال من بنك إلى آخر أو التمويل الإلكترونى وتتميز بالتعقيد لأنها تتم فى بنوك تتبنى قواعد صارمة من حيث سرية الإيداعات وهذا يجعل تتبع مصدر تلك الأموال أمرًا صعبًا، أما ثالثها مرحلة الإدماج أو التجفيف حيث يتم دمج تلك الأموال فى الدورة الاقتصادية حتى تبدو وكأنها عوائد لصفقات تجارية مثل الشركات الوهمية والقروض المصطنعة وتواطؤ البنوك بحيث يصعب التمييز بينها وبين الأموال المشروعة إلا من خلال البحث السرى بزرع المخبرين بين عصابات غسل الأموال. غسل الأموال لها أساليب وطرق تتميز بالتطور من حيث إعادة تدوير الأموال غير المشروعة عبر قنوات استثمار شرعية لإخفاء المصدر الحقيقى لها فمثلاً أن يطلب مسئول فاسد تقاضى رشوة مليونى جنيه من المصنع الذى أعطاه الرشوة أن يعينه مستشارًا له فى التسويق ويتم عمل عمليات بيع وهمية بمبلغ 5 ملايين جنيه كنتيجة مباشرة لبراعته فى تقديم استشارات للمصنع، وبالتالى استحق عمولة مليونى جنيه توضع فى حسابه بالبنك بصورة قانونية يصعب على البنك اكتشاف أن ذلك رشوة أما المثال الثانى فهو شائع بين الأطباء المتاجرين فى الأعضاء البشرية فهو ببساطة يفتح متجرًا لبيع التحف فى إحدى المناطق الراقية ويشترى تحفًا من أفراد بدون فواتير ثم يسجلها بمبالغ أقل من قيمتها ثم يبيعها بيعًا وهميًا بمبالغ أضعاف المبالغ السابقة ثم يدفع عنها الضرائب القانونية ويسجل فروق الأسعار التى تقدر بالملايين التى هى نتيجة الاتجار فى الأعضاء البشرية وعلميات زراعتها. غسل الأموال يتم أيضًا فى تمويل العمليات الإرهابية وشراء الأسلحة المحرمة من دول عليها حظر دولى مثل إيران الآن والسودان منذ عامين والعراق قبلهما وهذا النوع يتم عن طريق شخصيات عامة خاصة من السياسيين والدبلوماسيين ورجال البنوك ويطلق عليها FEB حيث إنهم يقومون بعمليات تحويل ونقل أموال باهظة أو علميات سحب وإيداع بين بنوك دول مختلفة دون رقابة من المؤسسات المصرفية بتلك الدول وذلك لرفع الحرج عن هؤلاء الذين عادة ما يمثلون دولاً، وبالتالى يتم التعتيم على تلك العمليات التى غالبًا ما يشوبها تهمة غسيل الأموال. تواجه جريمة غسل الأموال حربًا شنعاء من المجتمع الدولى متمثلة في اتفاقيات دولية أولها اتفاقية الأممالمتحدة 1988 وتهدف لتعزيز التعاون بين الدول للتصدى لتلك الظاهر ة وثانيها لجنة العمل الاقتصادى المتعلقة بغسل الأموال التى أصدرت 900 توصية منها قانون منع غسيل الأموال، وثالثها لجنة بازل المتعلقة بالإشراف البنكى التى أصدرت عام 1988 قانونًا يحظر استخدام البنوك للنشاطات الإجرامية ورابعها إدارة منع ومصادرة الأموال المتأنية من أعمال إجرامية والمسماة «فوباك» والتى تأسست عام 1993 وهى تابعة للإنتربول الدولى ومهمتها جمع المعلومات والأخبار عن غسل الأموال وترجمتها وحفظها وإرسالها إلى جميع دول العالم.