ليلى بارع شاعرة وكاتبة قصة وإعلامية مغربية تؤمن بوظيفة الشعر فى مقاومة الظلم والقبح والانتصار للإنسانية، تسعى إلى إحداث توازن بين جمالية اللغة وعمق الكلمة، من أعمالها الشعرية : أرض الفراشات السوداء الذى ترجم إلى الفرنسية، وديوان «كل هذا الكلام»، وهى تطرح أسئلة الحياة والإنسان ومصيره مع استحضار للأماكن التى حل بها.. عن رؤاها وأعمالها وأفكارها كان حوارنا معها. ■ متى وكيف بدأت علاقتك مع الشعر؟ - علاقتى مع الشعر والكتابة بشكل عام بدأت حين تشكلت علاقتى مع القراءة، كان لوالدى مكتبة قديمة، بها كتب متنوعة، رياضيات، نحو، فيزياء، علوم إنسانية، روايات غير مكتملة، ومجموعات قصصية مترجمة، وعلى الخصوص مجلات ثقافية مثل مجلة «العربي» و«هنا لندن» و»المختار».... كان ذلك هو كنزى الصغير، كان كنزا مرميا فى علب كرتونية فى زاوية لا يزورها أحد، من هنالك بدأت الحكاية مع الكلمات، ونسجت أول علاقة لى مع عالم الكتابة، ثم بدأت الرغبة فى الكتابة بعد ذلك، لكنها فى كل الأحوال بدأت فى فترة المراهقة، تلك المرحلة حيث يشجع الأساتذة الشرفاء طلبتهم على جمالية أعمالهم الإنشائية المميزة، تلك كانت البداية، وقد كان الشعر هو ملاذى الأول للتعبير عن نفسى ثم كانت القصة القصيرة. ■ تكتبين الشعر والقصة القصيرة.. أين تجدين نفسك أكثر؟ - أجد نفسى فى كليهما مع ميل صغير إلى الشعر، فأنا لا أختار بينهما متعمدة، الأفكار تختار قالبها، تختار الشكل الأدبى التى ترغبه، صحيح أن ما كتبته فى مجال الشعر أكثر من حيث الكم مما كتبته فى مجال القصة، لكننى كما قلت لا أختار الشكل الأدبى مسبقا، الكلمات والأفكار تختار لنفسها ما يناسبها، إننى أتبع ما تمليه على الكلمة، أحيانا يخيل لى أن للكلمات قوة أكثر مما تبدو عليه. ■ هل تفكرين فى كتابة الرواية؟ - أنا من عشاق الرواية، وأول الأعمال الأدبية التى قرأتها كانت روايات طويلة، ولا زلت حريصة على قراءة الرواية بشكل منتظم، ولا يمكننى نسيان عشقى للرواية، لكننى من جهة أخرى لا أعتبر القصة القصيرة أو الشعر محطة للتدرب على كتابة الرواية. لا أرغب بأن أقول بأن الشعر أو القصة القصيرة سيكونان اختيارى القاطع، فربما أقتصر على هذين الجنسين الأدبيين، وقد أكتب الرواية إن وجدت أنها ستكون القالب الأدبى الأفضل لما أرغب بالتعبير عنه، ينبغى ترك المستقبل مفتوحا على كل الاحتمالات، كما أن الحياة تعلمنا أن لا نقول «أبدا»، أترك الخيارات كلها مفتوحة، وأترك لنفسى دائما نوافذ مشرعة على كل جديد. ■ برأيك.. هل لا يزال الشعر وسيلة للحلم فى هذا العالم؟ - نكتب بداية لأننا بشر نمتلك إحساسا مرهفا، ولأن هشاشتنا كبيرة رغم التظاهر بالعكس، لكن تلك البداية فقط، وليست عيبا ولا تنقيصا من الشاعر أن يكون شخصا حالما، لكن ما يحدث أنه بعد مرحلة معينة يتوغل الشاعر فى عوالم أخرى، يطرح أسئلة أعمق، تزداد قراءاته، يبحث وتبدأ تجربته فى التغير لمواجهة كل قبح العالم، قبح الحروب، قبح الظلم، قبح السجن، قبح الأنظمة الديكتاتورية، قبح التغريبة والمنفى، أغلب الشعراء العرب الذين صنعوا مجد قصيدة النثر كانوا ملتزمين سياسيا، أتذكر هنا مظفر النواب، محمد الماغوط، أمل دنقل، أحمد مطر، محمود درويش... لكن لا يمكن للشاعر أن يكون صوتا للسياسة فقط، فالسياسة إلى زوال، ينبغى أن يكون الشاعر صوت الإنسانية، الإنسان فى مواجهة العالم دون أن يترك انتماءه السياسى أو الإيديولوجى يسيطر عليه، يمكننا أن نكون حالمين ولكن فى نفس الوقت منتصرين لكل القيم الإنسانية الكونية الحقة. ■ لك ديوان بعنوان «أرض الفراشات السوداء».. ما التجربة الإبداعية التى يطرحها الديوان؟ - أكثر من سبع دراسات نقدية نشرت حول الديوان، وفى كل مرة أقرأ دراسة نقدية، أتفاجأ من الأفكار التى يستنبطها الآخرون من الكلمات ومن رمزيتها، من الصعب أن أتحدث أنا نفسى عن عملي، النص حين يكتب وينشر، يمكن قراءته بأشكال متعددة، أشكال لم تخطر حتى على بال الشاعر، لذلك أرغب بأن أسمع رأى الآخرين به، وأتمنى أن تشمله دراسات نقدية أكبر. ■ لكل شاعر لغة تميزه عن أبناء جيله.. فما الذى يميزك؟ - أحاول إحداث التوازن الصعب بين جمالية اللغة وعمق الكلمة وكينونتها وقدرتها على الاستمرار منفصلة عني، ويهمنى أن أوازن بين الاثنين. لا أنظر إلى نفسى بمعزل عن الشعراء الذين يشكلون الحساسية الجديدة فى الشعر المغربى الآن، نصوصى وتجربتى جزء من هذه التجربة ككل، تجربة شعراء تجمع بينهم نفس الظرفية العامة ونفس التأثيرات ونفس العوائق ونفس المحيط ونفس الإحباطات والتفاصيل مع اختلافات ليست بالكبيرة، لكن لكل واحد لمسته وتجربته الخاصة، تجربة تجعله متميزا عن الآخرين سواء على مستوى اللغة أو العمق. ■ ما تأثير المكان على قصائدك؟ - أماكن كثيرة جعلت نصوصا لى ترى النور، دون أن يظهر المكان نفسه فى النص، للمكان سطوته على الكاتب، قد يكون مكانا أثريا، مقهى، باب متحف، أو شارع بمدينة نزورها للمرة الأولى رفقة شخص أو أشخاص نحبهم أو نكرههم، شاطئ، طريق مهجور.. المكان يثير الكلمات ويجعلها تخرج من كهفها، يشحذ الأفكار ويجعلها حادة قابلة للانفجار ككتابة. قلما أُسمِى المكان فى نصوصي، لكن المكان دوما حاضر مخفى ومستتر مثل ضمير الغائب... كما أننى أكتب نصوصى غالبا حين أعود من ذلك المكان ولكن ليس وأنا فى حضرته. ■ هل فكرتِ بالكتابة بالفرنسية باعتبارها بوابة الشهرة فى دول المغرب العربي؟ - أكتب بالعربية، لأنها لغة الإبداع عندي، و لدى ترجمة فرنسية لديوان «أرض الفراشات السوداء» قامت بها المبدعة والمترجمة المغربية حبيبة الزوغي، لكننى لم أقم بإصدارها حتى الساعة لأسباب تتعلق بصعوبات النشر. الكتابة بالعربية بالمغرب العربي، خاصة المغرب والجزائر وتونس تلقى نجاحا بنفس الدرجة التى تلقاها الكتابة بالفرنسية، الأهم أن تكون الكتابة جيدة بغض النظر عن لغتها، والدليل على ذلك أن أشهر كتابنا بالمغرب كتبوا بالعربية، محمد عز الدين التازي، أحمد المديني، محمد برادة، محمد شكري، ادريس الخوري، محمد زفزاف، عبد الله راجع، أحمد المجاطي، بل حتى الأعمال المكتوبة بالفرنسية تتم اليوم ترجمتها إلى اللغة العربية لتكون مقروءة من طرف الأغلبية. الكتابة بالفرنسية ليست سلما للشهرة دائما، وحين يبدع الكاتب بأى لغة سيجد دائما من يهتم بتجربته.... ■ كيف تفسرين ما يقال عن واقع الشعر.. هل مات جمهوره؟ أم أن الشعر هو الذى مات؟ - لا أحد منهما مات، ولا يوجد أى جنس أدبى يقضى على جنس آخر، الشعر باق وسيبقى ما دام الإنسان موجودا ينبض فى داخله قلب وضمير. واقع الشعر هو من واقع القصة والرواية والأدب عموما بالعالم العربي، ومن واقع الأمية المتفشية أيضا، ومن واقع غياب تقاليد القراءة والكتابة.. إن كانت الرواية تشهد انتعاشا مقارنة بالشعر خاصة، لنتذكر أن هناك مؤسسات ثقافية كبرى تقف وراءها وتدعمها ماديا، أعتقد أن وجود الجوائز لتحفيز الكاتب مسألة هامة، الواقع يؤكد هذا الأمر، لنتذكر فقط أن الرابح فى النهاية هو القارئ والكاتب، هناك لوائح طويلة وقصيرة وهناك إقبال شديد من القراء على هذه اللوائح بصرف النظر عن الانتقادات التى تطالها، نحن بحاجة فى مجال الشعر إلى مؤسسات قوية داعمة، إلى متابعات نقدية، إلى إعادة النقاش حول الشعر إلى الواجهة... ■ ليلى.. طموحك إلى أين يقف؟ - كشاعرة سأقول لك لا سقف لأحلام الشاعرة ولا لطموحها، سقفها الزرقة فقط، لكن كإنسانة ومواطنة عربية، وحين يعاصر الشاعر كل هذه الحروب وكل هذه الانتكاسات من حوله، يصبح طموحه أن يكون هناك سلام وعدل على هذه الأرض قبل أى شيء آخر.... سلام وديمقراطية فى كل هذه البقاع العربية حيث يموت الإنسان والأطفال بدون سبب معقول.