كتب : ياسر المرسى لا أقصد طبعا أن ثوار مصر مازالوا في المعارضة ولا أقصد أننا سننتخب مجلس شوري ليشكل لجنة دستورية قد تنفي وجوده أو تضطر للإبقاء عليه (علشان المصاريف) أو مجلس شعب قد يسقط الدستور الذي سيشكله شرعيته (إن ألغي نسبة الخمسين بالمائة). ولا أقصد بالطبع أن الرئيس الذي أمر بقتل الناس في الشوارع يسأل علي حساب بنكي هنا أو فيللا هناك. وأكيد لا يمكن أن أقصد أننا كنا نتفرج علي أحداث إمبابة علي شاشات التليفزيون لساعات لم يستطع خلالها أحد أن يتدخل لحسمها (فاكرين موقعة الجمل) ولم يعاقب أحد بعد ذلك لعدم تدخله. ولا يمكن أن تتخيل أنني أقصد أن مصابي الثورة الذين حررونا يعالجون علي حساب فاعلي الخير. بالطبع لا أقصد أيا من هذا فكل هذا متوقع وطبيعي طالما أن من يحكم ليس هو من ثار وطالما أن الثورة تعامل كحوالة يمكن قبضها بتوكيل وحتي مش مسجل. لا أتحدث أيضا عن القوانين التي تنزل علي رءوسنا من حيث لا ندري فلا نعرف من صاغها ولماذا ولا أتصور طبعا أن نرغب في أن نعرف أيا من هذا فنحن نثق فيهم (حتي لو منعرفهمش) لأننا نثق في اللي مشغلهم. ولا يدور بخاطري أن أتساءل عن إمكانية محاكمة نظام بقوانين كان هو واضعها في ظلام الليل البهيم ولا أن ألمح إلي أن محاكمات القتلة تؤجل بدل المرة ألفا بينما محاكمات الغلابة تحسم في ثوان. علي فكرة يعني إيه قضاء عسكري وبيحكم بسرعة كده ليه؟ هما برضه مش بتوع أدلة وحاجات من دي ولا بيحكموا بالشكل. طب ولو بيحكموا بالعدل بسرعة كده منقلبها كلها عسكري وخلي القضاة العاديين دول يقعدوا في بيوتهم ولو مش بالعدل يبقي اسمه قضاء ليه أساسا. لا أتحدث عن ثورة "ما تمت" لكن عن موظف السجل المدني الذي استخرج لي إحدي الأوراق بالأمس. كان الرجل يسلي وقته بالحديث عن الثورة مع جاره: - تعرف إن المظاهرات دي طلعت حرام شفت بقي مش قلتلكم الثورة دي مش هاييجي من وراها خير. - آه والله دا حتي الناس من ساعة الثورة محدش بيقدر يكلمهم وقلة أدب وكل واحد يقولك حقي وكلام فاضي. - أيوه أصلها حرام دانتا في الحج لو عايز توصل للحجر الأسود ولقيت إن ده هيعمل زحمة يبقي حرام قمال بقي لما تزحم البلد كله. بكرة تتلم. لا أتحدث عن مؤتمر مصر الأول ولا التيار الأساسي ولا العشرميت ائتلاف ولا حزب الإخوان اللي هوا يعني مش حزب الإخوان قوي بل عن الحلاق الذي أزال عني شعرا ثقيلا بالأمس. قال: - ده بيقولوا الديون 1000 مليار طب ولو خدوا ال70 مليارا بتوع مبارك هيكفوا إيه يعني. رد الزبون الذي كان بجواري: يا عم ولا هايشوفوا حاجة وبعدين احنا مالنا دي الحالة بقيت كرب أهم لغوا الأرز. رد الحلاق: والزيت داحنا كنا خمس أسر في بطاقة وكنا بناخد 15 زيت واهم بيكفوا دلوقتي يقلك خد تلاتة. الزبون: وبكرة يلغوه خالص يا عم بلا ثورة بلا بتاع بس ماهم برضة معذورين دي البلد كانت متقشطة واهو اللي مقشطينها يا بيصيفوا في شرم يا بيروحوا قلت له: يا عم انا مش فاهم هوا انتي مبسوط م الثوره دي ولا لأ الحلاق: والله محدش بقي عارف بينما الزبون لم يرد. الثورة كما أفهم هي فعل راديكالي (مش كده برضه) وهي ثقافة قبل أن تكون حركة علي الأرض. هل حقا ثار المصريون؟ المؤكد أن بعض المصريين قد ثاروا وأن من ثاروا يمثلون مصر الحرة وأن شعبا لم يحشد خمس أفراده في الشارع من قبل وأن الأسبان يتعلمون منا لكن المشكلة أن ما تم حين انتهي الحشد هو أن الثورة قد تحولت إلي إصلاحات ومطالب وانتهي الاستقطاب الحاد بين الخير (الثوار) والشر (مبارك) والآن أصبح كل شيء وجهة نظر لكن من يحكم ما زال يحكم بطريقة "إنتوا مش واثقين في لا الظاهر إنكوا مش واثقين فيا". الثورة تفجر الطاقات فهل تفجرت طاقاتك؟ هل تشعر برغبة في البناء أم رغبة في البكاء؟ هل تظن أنها صارت بلدك مش بلدهم؟ علي رأي الحلاق: والله محدش بقي عارف حاجه