كتب - د. إمام عبد الفتاح إمام أستاذ الفلسة بجامعة عين شمس
ثقافة الجهل كان «راسل» شيخ الفلاسفة في انجلترا في القرن الماضي «1872 1970» يقوله إنه يكاد يكون من المستحيل تطبيق الديمقراطية بين شعب جاهل أو أمي!. وربما عدنا إلي مناقشة هذا الموضوع في مقالاتنا المقبلة لكن في استطاعتنا الآن أن نقول إن أشد الثقافات عندنا ايغالاً في الجهل هي الثقافة الدينية «وكلمة الثقافة هنا مستخدمة بالمعني الإنثروبولوجي» فهي التي لم يطرأ عليها أي تقدم منذ أكثر من ألف عام حتي تحجرت وازدادت بعدًا عن الواقع الحي الذي يعيشه الناس، وتمسكت بأفكار غريبة عن الإسلام فهذا كبيرهم يخرج من السجن لينادي بإنشاء لجنة عليا «للتكفير» وقد نسي أو تناسي قول الرسول الكريم «من كفر مسلمًا فقد كفر»! وكما ينادي بلجنة عليا أخري «لإهدار الدماء» ليتحول الإسلام السمح إلي «شوري المجازر» ومتناسيًا قوله تعالي «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق» الأنعام «151» ولم يقتصر هذا التحريم علي النفس المسلمة وحدها بل قال النفس بإطلاق! وبدلاً من أن تكون منابر المساجد منارات تُضئ الطريق أمام المسلمين أصبحت بؤرًا للجهل لا مثيل لها، فهذا خطيب ذرب اللسان يروي لنا أن سيدنا آدم ذبح ابليس وشواه ثم أكله! وبعد أن تنفسنا الصعداء لأن الشر قد زال من العالم فوجئنا بالخطيب يعدل عن هذه البشري الطيبة ليقول إن آدم بعد أن أكل ابليس لم يستطع هضمه فتقيأه من جديد أي أن ابليس اللعين عاد ينغص علينا حياتنا من جديد ولم يفلح فيه الذبح والشواء والأكل والفداء! أي ثقافة، وأي جهل، وأي تخلف، وأي تدهور! ومن أسبوعين اثنين في قرية من قري الساحل الشمالي وقف خطيب آخر يروي ثلاث قصص عن مكارم الأخلاق عند الحيوان التي لم يصل إليها المسلمون بعد: الأولي: النمل لا يكذب وضع النمل واحدة من أشد أنواعه شراسة لحراسة جرادة ميتة وذهبت نملة أخري لاستدعاء قومها للاشتراك في وليمة دسمة، لكن يدًا خارجية اندست ورفعت الجرادة بعيدًا بحيث لا يراها النمل فلما وصل القوم لم يجدوا الجرادة المزعومة، فعادوا آسفين، وبعد لحظات أعادت اليد الخبيثة الجرادة إلي مكانها من جديد وفرحت النملة الحارسة وأسرعت تجري تنادي أصحابها بأن الطعام قد وصل فعادوا فرحين مهللين، لكنهم للأسف لم يجدوا الجرادة: ثلاث مرات حتي تأكد القوم أن النملة تكذب عليهم ولما كان النمل لا يكذب وهذه قاعدة لا شك فيها، فقد هجم النمل جميعًا علي هذه النملة الكاذبة المدسوسة بينهم وأوسعوها ضربًا حتي خرج منها السر الإلهي! وهكذا يتأكد لكم أيها الإخوة أن النمل لا يكذب! والثانية: أن القردة تقيم حدود الله أرخي الليل سدوله ونامت القردة المرهقة من القفز بين الأشجار طوال النهار وجاءت الزوجة لتنام علي ذراع زوجها الممدودة حتي إذا تأكدت أنه راح في سبات عميق سحبت رأسها من فوق ذراعه وذهبت مسرعة إلي عشيقها وظلت في أحضانه حتي الصباح، حتي إذا استيقظت القردة ورأت هذا المنظر الفاجر تنادوا علي بعضهم البعض ليشاهدوا «الخيانة البشعة» فيتم القبض علي الزاني والزانية. يقوم مجتمع القردة بحفر حفرتين لكل من العاشق والعاشقة، وبلا محاكمة لأن الجريمة ثابتة ودامغة. يقوم الجميع بعملية الرجم! ويختتم الخطيب حديثه رافعًا صوته الجهور بهذه الكلمات الحاسمة «وهكذا نجد أن القردة تقيم حدود الله أما أنتم أيها المسلمون فلا تفعلون شيئًا من ذلك!. والثالثة: نظافة النحل يروي لنا الخطيب المفوه أن النحل اعتاد أن يجعل نحلتين تقفان علي باب الخلية تتشممان الوالجين فمن اتضح أن رائحته عفنة أو كريهة منعتاه من الدخول حتي يذهب ليستحم ويتطهر ثم يعود فيسمح له بالدخول وهكذا يتضح أن النحل يرفض النجاسة لأن النظافة من الإيمان!.. وهذه كلها أحاديث لا قيمة لها في الوقت الذي تريد فيه الديمقراطية القراءة والثقافة الجادة والمعرفة العميقة لمعني المساواة، والحرية، والعدالة، وحقوق المواطن وما له وما عليه، وماذا ينتظر مني الآخر وماذا أنتظر منه وتراث الديمقراطية زاخر بالموضوعات التي تحتاج إلي نقاش، إلا أن هذا النقاش يحتاج إلي علم ومعرفة، وفهم ودراية دون أن تدخل الدين أو الكفر أو الحلال والحرام في هذا النقاش فهل هذه ثقافة قادرة علي المواجهة والنقاش أم أنها ستخرج وبسرعة إلي تكفير كل من لا يتفق معك في الرأي انطلاقًا من مبدأ «عليك أن تؤمن بما أومن به وإلا لعنك الله!» والذي تحول في عهد الطغاة إلي «عليك أن تؤمن بما أومن به إلا قتلتك!». والذي يبدو فيه كل مسلم عليمًا بكل شيء ومعلوماته عن الإسلام هي وحدها الصحيحة وهو وحده صاحب الأمر والنهي في يده مفاتيح الجنة وهو القادر علي فتح أبواب جهنم، مما يذكرنا بذلك الأعرابي الجاهل المتعصب الذي رفع يديه إلي السماء وهو يقول: «اللهم اغفر لي ولمحمد، ولا تغفر لأحد بعد ذلك أبدًا»! واندهش الرسول من هذا الدعاء الأناني الغريب وقال له: ولم؟! لقد ضيقت واسعًا يا أخ العرب!» الآن أهذه «ثقافة» نستطيع أن نصنع بها ديمقراطية؟! أم أننا سنكتفي بأن نقول مع المتنبي: أغاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم..! علينا أن ننتظر للمقال المقبل الذي نناقش فيه كمال الأخلاق عند الحيوان.. لنتأكد أن هؤلاء الناس خارجون عن كل ثقافة بعيدون عن كل معرفة!