نتعرض يوميا لضغوط الحياة وأحداثها التي تفرض علينا مواقف من الآخرين.. ومن أخطر هذه المواقف كراهية الآخرين.. بالطبع نكون -في حالات معينة- غير قادرين علي التصرف في أعصابنا ومشاعرنا تجاه من اخترقوا خصوصياتنا أو مارسوا علينا ظلما إداريا أو اجتماعيا، ونحن في موقف لا يسمح لنا بالدفاع عن أنفسنا، فنقوم بتوليف جيوش من الكراهية داخل ذواتنا ضد هؤلاء الظالمين الفاسدين. علماء النفس يقررون أن الماضي لا يمكن تغييره! لكن الحاضر موضوع قابل للتغيير، كوننا نعايشه ونعمل فيه عقلنا.. وأهم ما يمكن أن يعيننا علي التخلص من جور الكراهية أن نغفر للماضي، ونعتبره حادثا أو فترة لا يمكن التدخل في حدوثه، لكن ذواتنا قادرة علي تغيير الحاضر واستغلاله لاستشراف حياة أفضل في المستقبل.. إن استمرار الكراهية في ذات تعني أنك تسمح للماضي وأحداثه المؤلمة والسلبية أن تدير حياتك وتسيطر علي أعصابك ومشاعرك في الحاضر والمستقبل. إن قرارك غفران خطايا من الآخرين ضدك سوف يجعل ذاتك أكثر راحة وطمأنينة، وستشعر أنك بدأت تمارس اتجاهات إيجابية تجاه من حولك وفي عملك.. وأن رؤيتك للحياة سوف تتبدل نحو الإيجابية ورؤية الصور علي حقيقتها، وستزداد ثقتك في نفسك وهذا سوف يزيد من إنتاجيتك وبراعتك وتوسيع مداركك. إن تحميل ذاتك مشاهد العذابات والمواقف السلبية الظالمة سوف تؤثر فيزيائيا علي جسدك وستدخل ضمن دوامات الأمراض، ولا نستبعد لجوءك إلي العادات السلبية مثل الإدمان.. إن ممارسة الرياضة واستنشاق الهواء النقي وملء الرئتين به سوف يساعدك علي التخلص من مشاعر الكراهية ضد الآخرين. تلك هي رسالة كتاب «الغفران الفضيلة الغائبة» الذي اشترك في كتابته القس فيلوباتير جميل عزيز والدكتور جمال محمد أبو زيد والشماس عابد إسكندر باسيليوس، والذين أكدوا فيه أن الغفران الحقيقي من علاماته نسيان الإساءة فلابد أن تمحي الجروح العميقة من الوعي حينما يحدث الغفران، والغفران ليس المصالحة، فالمصالحة تتطلب شخصين، لكن الشخص المساء إليه يستطيع أن يغفر للمسيئ بدون مصالحة والغفران ليس صفحا أو مسامحة فليس هو التماس العذر لسلوك سيئ أو خاطئ، وهو ليس إغفالا للإساءة وإنما يعني التعامل مع الإساءة بكل جدية. وفي فصل بعنوان «الغفران في المسيحية» أكد الكتاب أنه ليس مبنيا علي أساس رحمة الله فحسب دون عدله وبره، ويؤكد العهد الجديد علي حقيقة »اغفروا يغفر لكم«. أما «الغفران في الإسلام» فقد أكد الكتاب أن المسامحة والغفران كلمتان هي أساس الدين الحنيف وديننا مبني علي التسامح فحينما جاء الإسلام ودخل الناس فيه غفر الله ذنوبهم السابقة جميعًا، وتردد دائمًا في القرآن الكريم كلمتا «العفو» مع «الغفور» دلالة علي الكرم واختتم الكتاب بنصيحة للقارئ تقول »اغسل قلبك بالعفو وعفره بالغفران، إن تحويل القلب إلي حياة للضغينة وعقارب للحقد وأفاع للحسد أعظم دليل علي ضعف الإيمان وضحالة المروءة وسوء التقدير للأمور، وكما يقول شيكسبير لا توقد في صدرك فرنا لعدوك فتحترق فيه أنت.